يوسف يونس


أليسوا هم من قالوا أنّ ما بعد "السابع من أكتوبر" ليس كما قبله؟ وهكذا كان... فخسارة حزب الله عسكريّاً وقبوله الضمني بإنهاء الحرب من خلال توقيع "حكومتهم" السابقة على اتفاق وقف اطلاق النار مع التشديد على بند نزع السلاح، وتبع ذلك سقوط "جدار دمشق" في الجوار، كلّها ضربات موجعة وصعبة الإستيعاب. والأجدر أن تأثيرها على الواقع السياسي لا مفرّ منه، فالمتغيرات الجيوسياسية حتّمت تغيير موازين القوى في الحاضر لتأسيس مرحلة شرق أوسطية جديدة، وتحديداً في الداخل اللبناني.

بالتالي، ما تداول من أعرافٍ وعاداتٍ بقوّة السلاح، انتهت صلاحيّتها مع زوال السلاح. والثنائية التي جمعت حزب الله وحركة أمل ودفعت بهم إلى التحكّم بزمام الأمور لأعوام، تعود اليوم تدريجيّاً إلى حجمها الطبيعي بالمعنى السياسي، مع لزوم تموضع هذه الثنائية في المساحة التي تستطيع تحقيقها في الساحة السياسية، دون "التّعنتر" أمام الشاشات ولعب دور البطل. 

إنّ ثنائية الحزب والحركة، بمحاولة منها للتعويض على نفسها في مكاسب سياسية ولإقناع جمهورها أنها ما تزال الأقوى على الساحة، لم تقدر على الإتيان برئيس جمهورية من طينتها، ولم تقدر على عرقلة تسمية رئيس الحكومة، وبالتأكيد تشكيل الحكومة لن يجري كما اعتاد الثنائي، بإرسال الأسماء قبل دقائق من التشكيل. ولأنّ هذه الصدمات ستخلق ردّات فعل عشوائية، قد نرى الثنائي يختلق ويفتعل أخبار ومعلومات مضلّلة، وذلك من شدّة ارتباكه وجهله لكيفية التعامل مع الأمور. ولكن الناس تسمع وترى، وأصبحت قادرة على التمييز بين بنائي وهدّامي الدولة.

المظاهر غير الشرعية أصبحت من الماضي، وأمامنا صفحة جديدة عنوانها الديمقراطية وإنخراط الجميع في الحياة السياسية تحت سقف الدستور والقوانين. والإعتياد على انتظام الدولة ومؤسساتها يحتاج إلى الممارسة والتكرار، ليصبح من كان خارج الدولة منضبطاً ومتأقلماً مع الواقع السياسي الجديد. هذا الواقع حمل إلينا رئيساً للجمهورية ألقى خطاب قسمٍ واعد، ورئيس حكومة مدرك للتحدّيات التي تنتظره، إنّما جاء على استعداد لهذه المهمّة، وستكون الحكومة المقبلة شبيهة بالتغيرات الجديدة، ولن يكون هناك مجال لقمصان سودٍ من هنا وتوجيه سلاحٍ من هناك لشلّ الحركة السياسية كما كان سابقاً.

 (هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News