يوسف يونس


تطفو على السطح مجددًا قضية وزارة المال والطائفة الشيعية، وسط تصريحات قديمة جديدة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يدّعي أن اتفاق الطائف أرسى عرفًا يجعل وزارة المال حكرًا على الطائفة الشيعية. ولكن، هل هذا الادعاء دقيق؟ وهل تحولت الأعراف السياسية إلى سلاح يستخدمه بري لترسيخ نفوذه السياسي؟

اتفاق الطائف، الوثيقة التي هدفت لإعادة بناء الدولة اللبنانية، لم يتضمن أي نص واضح أو حتى تلميح حول تخصيص وزارة المال، أو أي وزارة أخرى، لطائفة محددة. الاتفاق نصّ على المساواة بين الطوائف، لكنه ترك توزيع الحقائب الوزارية للتفاهمات السياسية، بعيدًا عن تثبيت الطائفية في نصوصه.

مع ذلك، خرج الرئيس بري مؤخرًا بتصريحات يزعم فيها أن هذا التخصيص موثق في محاضر اتفاق الطائف. إلا أن هذا الادعاء قوبل بنفي صريح من شخصيات سياسية بارزة، التي أكدت أن المحاضر الرسمية لا تحمل أي ذكر لهذه الادعاءات.
لعل المشكلة الأساسية لا تكمن في ما إذا كانت محاضر الطائف تحتوي هذا التفاهم أم لا، بل في الإصرار على تكريس أعراف سياسية تُقيد عمل المؤسسات وتُمعن في تعميق الطائفية. الرئيس بري، الذي لطالما قدم نفسه كحامي للدستور والمصلحة الوطنية، يبدو اليوم أكثر اهتمامًا بترسيخ قواعد "موازين القوى" التي تخدم نفوذه السياسي.

وزارة المال ليست مجرد حقيبة وزارية؛ إنها إحدى الركائز الأساسية للحوكمة في لبنان، حيث تمنح وزير المال حق التوقيع الثالث على القرارات المالية للدولة. هذا النفوذ يجعل الحقيبة أكثر من مجرد منصب إداري، بل أداة لإدارة الدولة والسيطرة على قراراتها. وهنا نسأل: هل يمكن للبنان أن يتقدم إذا كانت الوزارات السيادية تُدار وفق حسابات طائفية ضيقة؟ وهل من يُعتبر أنه المسؤول الاول عن الانهيارات المتتالية يحق له المطالبة بوزارة المال؟ وهنا لا نقصد الشيعة بل نقصد بري بوجه التحديد وحركة أمل. مع العلم ان الحقيبة هي من حق "الكفاءة" سواء أتت من المسيحيين أو من المسلمين. 

إصرار بري على ربط وزارة المال بالطائفة الشيعية ليس مجرد قضية سياسية، بل هو تحدٍ مباشر لأسس الدولة التي يسعى اللبنانيون لتحقيقها. الأعراف السياسية ليست مقدسة، وهي ليست جزءًا من الدستور، بل هي انعكاس لتفاهمات ظرفية تتغير بتغير الزمن. استمرار التمسك بها ليس فقط ضربًا للإصلاح، بل هو تكريس للشلل السياسي الذي يعانيه لبنان منذ سنوات.

الرئيس بري، الذي يقف اليوم كأحد أقدم رموز الحكم اللبناني القديم، يحمل مسؤولية تاريخية تجاه الوطن. إذا كان الطائف قد أخرج اللبنانيين من الحرب، فإن استخدام وهم محاضره يعيد اللبنانيين الى متاريس السياسة التي نريد أن نهدمها انطلاقا من تطبيق الدستور وليس تحريفه. بالمناسبة نسأل، أين هي هذه المحاضر، فلتبرز، عندها يتأكد بري أن ما صرّح به غير صحيح.

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")


المصدر : Transparency News