كيف خدع نواب الثورة المعارضة السيادية؟
منذ 3 ساعة
واليوم، بعد انكشاف الحقائق، تجد المعارضة نفسها أمام واقع مرير: لقد خُدعت وسُلّمت على طبق من ذهب إلى قوى الأمر الواقع، التي نجحت في الإبقاء على قبضتها على الدولة تحت ستار جديد.
خداع موارب تحت مسمى “التوازن”
منذ اللحظة الأولى، أصرّ الرئيس المكلف على إشراك الثنائي الشيعي في الحكومة، ليس بدافع المصلحة الوطنية أو تحقيق التوازن، بل عبر تحايل مكشوف. فقد جرى الالتفاف على أي طرح جادّ لاستبعاد نفوذ هذا المحور، عبر منحه الوزارات الأكثر حيوية، ولكن بأسماء مموهة وآليات توحي وكأنها “تنازلات”. والنتيجة؟ احتفظوا بوزارة المال والصحة وثلاث وزارات أخرى، لتظلّ الدولة رهينة مشروعهم، ولكن هذه المرة بموافقة المعارضة نفسها!
حصان طروادة في قلب المعارضة
لم يكن نواف سلام ليبلغ هذا المستوى من النفوذ لولا دعم نواب الثورة، الذين أثبتوا مجددًا أنهم أقرب في الفكر والممارسة إلى اليسار الراديكالي منهم إلى مشروع الدولة السيادية. فهؤلاء النواب، الذين ادّعوا أنهم البديل عن الطبقة السياسية التقليدية، كانوا الأداة الأكثر فاعلية لاختراق صفوف المعارضة السيادية وإقناعها بقبول خيار لم يكن في مصلحتها على الإطلاق.
تحالفهم مع نواف سلام لم يكن مجرد خطوة تكتيكية، بل خيارًا عقائديًا نابعًا من انتمائهم إلى الفكر نفسه، الذي يرى في هدم البنية التقليدية للدولة هدفًا أسمى، حتى لو كان ذلك يصبّ في مصلحة قوى الأمر الواقع.
تحركاتهم وخطاباتهم ساهمت في تسويق نواف سلام كخيار “إصلاحي”، بينما كان الرجل يعمل على تعزيز نفوذ قوى الأمر الواقع بطريقة ناعمة. استهتارهم بالبعد السيادي جعلهم يتجاهلون مخاطر استمرار سيطرة أطراف معينة على الوزارات الحساسة، ما يعني أن الدولة ستظلّ أسيرة خياراتها، ولكن هذه المرة بغطاء “مستقل” و”إصلاحي”.
المعارضة بعد فوات الأوان: درسٌ قاسٍ ومكلف
اليوم، بات واضحًا أن المعارضة لم تكن أمام فرصة حقيقية للتغيير، بل خُدعت وساهمت – عن غير قصد – في تثبيت معادلة كانت تحاول تفكيكها. فبدلًا من فرض شروطها على الرئيس المكلف، وجدت نفسها مضطرة لتبرير قبوله بمطالب الثنائي، بعدما أصبحت جزءًا من التسوية التي سمحت له بالتمادي في التنازلات.
المفارقة الكبرى أن من خدعوا المعارضة لم يخفوا نواياهم، بل استخدموا كل الأدوات المتاحة لتمرير مشروعهم، وسط انقسامات وتردد داخل القوى السيادية. وهكذا، انقلبت الأدوار، وأصبح نواب الثورة رأس الحربة في تمرير حكومة تناقض كل ما ادّعوا أنهم يناضلون ضده.
معارضة بلا بوصلة
ما حدث ليس مجرد خطأ تكتيكي، بل انتحار سياسي للمعارضة، التي سقطت في فخّ اليسار الراديكالي و”الثورة المُختَرَقة”. في المقابل، خرجت قوى الأمر الواقع أكثر رسوخًا، وأثبتت قدرتها على استخدام أدوات جديدة للحفاظ على نفوذها، حتى لو كانت تحمل شعارات التغيير والإصلاح.
قد يكون هذا الدرس هو الأقسى في تاريخ الصراع السياسي في لبنان، والواقع هو: ليس كل من يرفع شعار الثورة يريد إسقاط النظام، وليس كل من يدّعي الإصلاح يسعى إلى إنقاذ الدولة.
المصدر : تادي عواد - news المرصد