خاص - نواف سلام: فرصة أم تكرار للفشل؟
منذ 3 ساعة
لبنان اليوم أمام لحظة حساسة ومفصلية، حيث يُفترض أن يكون تأليف الحكومة خطوة حقيقية نحو استعادة الدولة لقرارها وسيادتها. إلا أن الأداء الذي يظهره الرئيس المكلف نواف سلام يُنذر بإضاعة هذه الفرصة التاريخية إذا استمر في الرضوخ للضغوط التي تمارسها المنظومة السياسية المسؤولة عن تدمير البلاد على مدى السنوات الماضية. محاولته المستمرة لاسترضاء الثنائية الشيعية، المعروفة برهاناتها الإقليمية المدمرة والخاطئة، تعيدنا إلى دوامة الانهيار بدلاً من مسار التعافي.
الثنائي الشيعي: مشروع السيطرة عبر السلاح
الثنائي الشيعي الذي يضغط اليوم على الرئيس المكلف لتشكيل حكومة وفق شروطه، هو ذاته الذي استجلب بسياساته صراعات وحروباً مدمرة تركت آثارها الكارثية على مناطق الجنوب، الضاحية، والبقاع. من خلال رهاناته الإقليمية الخاطئة المرتبطة بالمشروع الإيراني، أدخل لبنان في عزلة إقليمية ودولية وعزز الشلل السياسي عبر هيمنة السلاح على القرار الوطني.
اليوم، الثنائي الشيعي يمر بمأزق وجودي نتيجة انكشاف محدودية خياراته داخلياً وخارجياً بعد الخسائر المتتالية لمحوره الإقليمي. لكن هذا الفشل لم يدفعه إلى مراجعة سياساته، بل يعمل على إعادة إنتاج التوازنات ذاتها التي أبقت لبنان رهينة المحاصصات السياسية وتعطيل المؤسسات.
استرضاء الثنائي الشيعي في هذه المرحلة يعني استمرار هيمنة السلاح غير الشرعي على الدولة وتعميق الشلل تحت غطاء حكومة جديدة، الأمر الذي سيعصف بما تبقى من قدرة لبنان على التعافي.
القوات اللبنانية: العمود الفقري لانتصار مشروع الدولة
في المقابل، تقف القوات اللبنانية كعمود فقري للمعارضة الفاعلة، بموقف واضح لا لبس فيه لدعم مشروع الدولة والمؤسسات. من مرحلة التصدي لفرض سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، إلى فرض مسار سياسي جديد، أثبتت القوات اللبنانية أن انتصار الدولة لم يأت من فراغ، بل كان نتيجة خيارات جريئة في لحظة مفصلية.
القوات اللبنانية لعبت دوراً محورياً في مواجهة الهيمنة السياسية عبر رفضها الرضوخ لمنطق السلاح وتحويل الدولة إلى واجهة لخدمة الأجندات الإقليمية. هذا الموقف الصلب أعطى لبنان فرصة نادرة لاستعادة زمام المبادرة السياسية، لكن استمرار الرئيس المكلف في تقديم التنازلات قد يهدد بإضاعة هذه الفرصة.
الرئيس المكلف: أمام الخيار الصعب
نواف سلام اليوم أمام خيارين واضحين: إما أن يتخذ موقفاً جريئاً يحفظ الجهد والمعاناة التي تكبدتها الأحزاب المعارضة والشعب اللبناني، ويرفض الإملاءات التي يفرضها الثنائي الشيعي، أو أن يُكمل في مسار التنازلات، ليصبح جزءاً من الحلقة التي كرست الانهيار السياسي والاقتصادي.
التنازلات التي يقدمها الرئيس المكلف تعيد إنتاج الأزمة بدلاً من معالجتها. أي حكومة تُبنى على هذا الأساس ستكون امتداداً لحكومات سابقة فاشلة وستؤدي إلى فقدان الشارع اللبناني للأمل والمجتمع الدولي للثقة. اللبنانيون اليوم بحاجة إلى حكومة تملك القدرة على فرض السيادة، لا حكومة وفاق وطني مشلولة تكرس التوازنات القديمة.
الفرصة الأخيرة: لا مجال للتنازل
إما أن يكون نواف سلام قائداً للتغيير الذي يطمح إليه اللبنانيون، أو ينضم إلى قائمة من أضاعوا الفرص التاريخية. محاولة كسب رضا الثنائي الشيعي ليست إلا تكراراً للتجارب الفاشلة التي عطلت مسار الحكومات السابقة، وأبقت البلاد في دائرة الانهيار. الأسوأ من ذلك، أنها ستساعد على تكريس حلم الثنائي باحتكار التوقيع الثالث خارج الإطار الدستوري والطائفي الصحيح.
لبنان اليوم عند حافة الانهيار الشامل الذي لا يمكن تجنبه إلا عبر حكومة جذرية وقوية. لا يمكن مواجهة الرهانات الخاطئة للثنائي الشيعي بالتنازل، بل بموقف حاسم يعيد للدولة سلطتها وللشعب ثقته في المؤسسات.
الفرصة التي وضعها اللبنانيون بيد نواف سلام ليصنع الفرق، هل سيغتنمها؟ أو سيضيف اسمه إلى قائمة الفرص الضائعة.
(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )
المصدر : Transparency News