وسط تصاعد المخاوف بشأن إدراج لبنان على "اللائحة الرمادية" لمجموعة العمل المالي الدولية (FATF)، تتزايد الضغوط على الحكومة والقطاع المصرفي لاتخاذ إجراءات تعزز الشفافية المالية وتحد من المخاطر المرتبطة بعمليات تهريب الأموال وتمويل الجماعات المسلحة. وفي ظل تقارير تشير إلى نقل أموال إيرانية إلى "حزب الله" عبر مطار بيروت، يصبح التساؤل مطروحًا: هل يمكن للبنان استعادة الثقة الدولية والخروج من دائرة الرقابة المالية المشددة؟


يثير إدراج لبنان على "اللائحة الرمادية" قلق الأوساط الاقتصادية والمصرفية، خاصة بعد التقارير الأخيرة التي كشفت عن نقل أموال نقدية إلى "حزب الله" عبر مطار بيروت، ما يعقد جهود تحسين سمعة البلاد المالية. وبينما تسعى السلطات إلى طمأنة المجتمع الدولي عبر خطوات إصلاحية، تبقى التحديات قائمة، خصوصًا مع استمرار الرقابة المشددة من قبل المؤسسات المالية العالمية.

رئيس الجمهورية جوزاف عون شدد خلال لقاءاته مع المسؤولين على ضرورة العمل لرفع لبنان عن هذه اللائحة، فيما أكد حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، أن تقرير "فاتف" الصادر في أكتوبر الماضي برّأ المصرف المركزي من أي مسؤولية، معتبرًا أن البنك قام بواجباته وأصدر التعاميم اللازمة، وأن المشكلة تكمن في المؤسسات الأمنية والقضائية وليس في القطاع المصرفي نفسه.

رغم هذه التأكيدات، تبقى المخاوف قائمة، خاصة بعد تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" الذي أشار إلى عمليات نقل أموال ضخمة من إيران إلى "حزب الله" عبر مسؤولين أتراك، مما دفع إسرائيل إلى التهديد بضرب مطار بيروت إذا استُخدم لهذا الغرض. هذه التطورات تطرح تساؤلات حول مدى قدرة لبنان على استعادة الثقة الدولية، خصوصًا في ظل اشتراط صندوق النقد الدولي تشديد الرقابة على المعابر البرية والبحرية والجوية كجزء من أي برنامج إنقاذ اقتصادي.

وفي هذا السياق، باشر وفد من الاتحاد الأوروبي مؤخرًا تدريب هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان على متطلبات الخروج من اللائحة الرمادية، حيث بدأت ورشة عمل يشرف عليها خبراء أوروبيون تهدف إلى تحسين آليات الرقابة المالية. ووفق مصادر مصرفية، فإن الاتحاد الأوروبي يدرك أن نقاط الضعف الأساسية في لبنان ليست في القطاع المصرفي، بل في عمليات التهريب والاقتصاد الموازي، إضافة إلى الأنشطة المالية غير الشرعية المرتبطة بتمويل "حزب الله".

ووفقًا للمصادر، فإن لبنان يُقيَّم بناءً على ثلاث فئات رئيسية: أولًا، القطاع المصرفي، الذي يعتبر ملتزمًا بمعايير الشفافية المالية، ثانيًا، ضبط التهريب والتهرب الجمركي، الذي يحتاج إلى إرادة سياسية قوية لمعالجته، وثالثًا، مسألة تمويل الجماعات المسلحة، والتي تمثل نقطة خلافية مع المجتمع الدولي.

في ظل هذه المعطيات، يبقى الحل الأساسي مرتبطًا بالإرادة السياسية، حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي أن معالجة هذه المشكلات تتطلب تنسيقًا أكبر بين الجهات المعنية، من الجمارك إلى الوزارات المالية والاقتصادية، لضبط الاقتصاد النقدي وزيادة الإيرادات وتعزيز الشفافية. فهل تتمكن الحكومة اللبنانية من اتخاذ خطوات فعلية تُبعد البلاد عن دائرة المخاطر المالية، أم أن الأزمات السياسية ستبقيها عالقة في مأزق "اللائحة الرمادية"؟


المصدر : نداء الوطن