يشهد لبنان مرحلة دقيقة تتداخل فيها التعقيدات الداخلية بالتأثيرات الإقليمية والدولية، حيث تتجه الأنظار إلى مسار تشكيل الحكومة الجديدة وسط انقسامات سياسية حادة وضغوط خارجية متزايدة. وفي ظل استمرار الخلافات حول الحصص الوزارية والتوازنات السياسية، تبرز محاولات لتذليل العقبات وتقديم تسويات تتيح ولادة الحكومة المرتقبة. وبينما تتابع الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التطورات عن كثب، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح القوى السياسية اللبنانية في تجاوز العقبات الراهنة، أم أن المشهد سيبقى رهينة التوترات والمساومات؟


يترقّب زعماء المنطقة والمسؤولون في لبنان النتائج الفعلية للقمة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خصوصًا فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في لبنان، وهدنة غزة، ومفاوضات تبادل الأسرى، إضافة إلى التزام إسرائيل بالمهلة الممددة حتى 18 شباط الجاري.

ورغم تأكيد المقربين من ترامب، بمن فيهم مستشار الأمن القومي والمبعوث الدبلوماسي للمنطقة، على عدم التراجع عمّا تحقق في غزة ولبنان، تشير الاتصالات الدبلوماسية إلى أن الدول الغربية والولايات المتحدة تراقب عن كثب مسار تأليف الحكومة اللبنانية، نظرًا لدورها المحوري في الترتيبات الإقليمية المقبلة.

تعقيدات تشكيل الحكومة ومواقف القوى السياسية

تتأثر عملية تشكيل الحكومة بالتطورات الإقليمية والدولية، في ظل استمرار الخلافات حول توزيع الحصص الوزارية، خاصة على صعيد التمثيل المسيحي والسني. وقد تصاعدت حدة الخلاف إلى درجة تهديد "القوات اللبنانية" بعدم المشاركة في الحكومة ورفض منحها الثقة.

في هذا السياق، كشف مصدر نيابي معارض عن اجتماع قريب لقوى المعارضة بعيدًا عن الإعلام، لتقييم مسار تشكيل الحكومة والتأكد من تطبيق المعايير على جميع الأطراف دون استثناء.

من جهتها، أفادت مصادر سياسية مطلعة لـ"اللواء" بأن الاتصالات الحكومية تكثّفت في الساعات الأخيرة لحلّ العقبات أمام ولادة الحكومة، مشيرةً إلى أن جزءًا من هذه الاتصالات يجري من خارج البلاد.

وفي إطار البحث عن حلول لعقدة تمثيل "القوات اللبنانية"، طُرحت مقترحات عدة، منها استبدال أحد الأسماء في الوزارات السيادية، رغم ضآلة فرص الموافقة عليه، أو منح الشخصية التي تسميها "القوات" موقع نائب رئيس الحكومة، وهو اقتراح قيد البحث حاليًا.

أما بالنسبة إلى الوزير الشيعي الخامس، فقد جرى تفاهم بشأنه دون اعتراض من "الثنائي الشيعي"، لكنه لا يحظى بتأييده الكامل. وفي ما يتعلق بالتمثيل السني، تستمر الجهود لمعالجة هذه العقدة، على أمل أن تثمر هذه الحلول قريبًا وتُمهّد لولادة الحكومة، رغم أن بعض المصادر تستبعد ذلك في المدى القريب، مرجّحة تأجيل إعلانها إلى الأسبوع المقبل.

مطالب التكتلات النيابية وتدخلات خارجية

في سياق متصل، لم يثمر لقاء رئيس الحكومة المكلف مع وفد "تكتل الاعتدال الوطني" أي تقدم بخصوص تمثيله في الحكومة. وأوضح النائب أحمد رستم أن التكتل يطالب بحقيبة وزارية نظرًا لدوره الوطني ورفضه الاصطفافات السياسية، مشددًا على ضرورة تمثيل منطقة عكار في الحكومة. كما أبدى دعمه لتوزير القاضي هاني حجار، نظرًا لشفافيته وكفاءته.

ورغم التقديرات بأن مسار تشكيل الحكومة يسير في اتجاه إيجابي، تشير مصادر مطلعة إلى أن واشنطن تمارس ضغوطًا لمنع تشكيلها وفق الصيغة التي اتفق عليها رئيس الحكومة المكلف نواف سلام مع "الثنائي الشيعي". وتكشف المصادر عن محاولات للمقايضة بين حصول "الثنائي" على أربعة وزراء محسوبين عليه، مقابل وزير شيعي خامس مستقل، يُراد منه أن يكون بمثابة "حصان طروادة" لمواجهة الثنائي، بهدف زعزعة احتكاره للتمثيل الشيعي.

وتضيف المصادر أن هناك مسعى سابقًا لتوزير شخصية من عائلة شيعية بارزة في وزارة خدماتية، بغية استمالة الأصوات في الانتخابات النيابية المقبلة لصالح لوائح معارضة للثنائي، إلا أن هذا المخطط أُحبط في اللحظات الأخيرة.

في المحصلة، تبقى عملية تشكيل الحكومة رهينة التجاذبات الداخلية والتدخلات الخارجية، في ظل استمرار المفاوضات لحلحلة العقد المتبقية وتحديد ملامح المرحلة السياسية المقبلة في لبنان.


المصدر : وكالات