بري: الدور الأخطر
منذ 2 ساعة
ينظر معظم اللبنانيين إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري باعتباره شخصا معتدلاً مقارنة مع ممثلي حزب الله بينما هو في الحقيقة المسؤول الأول لما آلت إليه أمور الطائفة الشيعية، قبل وبعد مؤتمر الطائف، وصولا إلى يومنا هذا، وما نشهده من تعنت وإصرار على التحكم في حكومة نواف سلام العتيدة ووقوفه حجر عثرة في انطلاقتها.
واليوم يثبت نبيه بري أنه يلعب دورا أخطر من الدور الذي لعبه حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية قبل الضربة الكبيرة التي تعرض لها بعد حربه المعلنة من طرفه الأوحد ضد إسرائيل، والتي أسماها "حرب الإسناد."
فلا يختلف إثنان في لبنان بأن مهندس التحالف الأبدي بين حركة أمل وحزب الله على مدى الأربعين سنة الماضية، والذي جرت العادة على تسميته ب"الثنائي الشيعي"، هو لا أحد غير نبيه بري، الراسخ بعمق في هياكل السلطة القديمة العفنة في لبنان، والذي يتحرك بخفة الملاكم داخل حلبة نظام المحاصصة، المصمم على حماية هيمنة الطوائف والمذاهب بدلاً من حماية المواطن العادي وضمان أمنه واستقراره وسيادة دولته.
لا شك بأن بري يلعب اليوم لعبة سياسية خطيرة قد تجّر البلاد إلى مواجهات طائفية ومناطقية بدأت بوادرها تلوح في الإفق.
فبينما يسعى رئيس الوزراء المنتخب حديثًا نواف سلام إلى تشكيل حكومة تتوافق مع تطلعات لبنان للإصلاح والاستقرار الوطني، يواصل بري – ملاذ الفساد والمفسدين - التفاوض على المناصب الوزارية التي من شأنها الحفاظ على قبضة ثنائي فائض القوة المتوهمة على مفاصل السلطة في لبنان.
يأتي هذا في لحظة محورية في تاريخ لبنان.
لقد أعطى إضعاف حزب الله عسكريًا على أيدي الجيش الإسرائيلي الغاشم والمتوحش، وانتخاب جوزيف عون المُؤَيد أميركيا ودوليا وعربيا رئيسًا للبنان، العديد من اللبنانيين شعورًا بالأمل بالتخلص من قبضة حزب الله الأمنية على دوائر القرار اللبنانية، وأيضا إضعاف منظومة الفساد التي يمثلها بري وحلفائه في السلطة أفضل تمثيل.
ويجسّد بري، على وجه الخصوص، النموذج الأمثل للعصر الإيراني السوري البائد الذي اتسم بالقمع السياسي والإغتيالات والفساد والسرقات والانحدارالاقتصادي والمالي والسيطرة الميليشياوية المطلقة على مؤسسات الدولة اللبنانية بقدها وقديدها.
ولا زال نبيه بري يلعب اللعبة ذاتها التي أتقنها لعقود، ظانا أنه يستطيع التكيف مع متطلبات المرحلة السياسية المقبلة، ومعتمدا تكتيكاته المعهودة التي ملّ منها اللبنانيون والعرب والتي لم تعد تنطلي على أحد.
ولأول مرة منذ عقود، يشعر المواطن اللبناني، المنكسر والمحبط، بأن هناك فعلا فرصة ملموسة بعد تقليص النفوذين الإيراني والأسدي والشروع في مسار التعافي الاقتصادي والسياسي على جميع الأصعدة واستلام القوى الشرعية اللبنانية، وعلى رأسها الجيش اللبناني، مسؤولية حماية الأمن الوطني وتدعيم استقراره وديمومته عبر تنفيذ القرار الدولي 1701 مع كامل مندرجاته.
ومع إعلان دول الخليج، بقيادة المملكة العربية السعودية، دعمها المتجدد للبنان، يُنظَر إلى عهد الثنائي عون-سلام باعتباره فرصة نادرة وضرورية للغاية لإعادة تنظيم وانتظام البلاد في المنظومة العربية وعودة لبنان للعب دوره المركزي في المنطقة.
لكن، للأسف الشديد، يعتبر الثنائي الشيعي بأن التحول الجذري هذا في اللعبة السياسية الداخلية يشكل تهديدًا مباشرا له، وبأنه قد ينهي دوره التسلطي المافيوي على باقي المكونات اللبنانية.
على جميع اللبنانيين التنبه للعبة نبيه بري الخطيرة لوضع يده على حكومة نواف سلام والتحكم فيها وبقراراتها.
فنبيه بري يمثّل اليوم العقبة الأساسية أمام تعافي لبنان، حيث تتطلب المرحلة الحالية والمستقبلية جيل جديد من الشيعة اللبنانيين من ذوي الكفاءات والإستقلالية ونظافة الكف ينطلقون في مسيرة إعادة مسار الطائفة الشيعية إلى وجهته الوطنية الخالصة، وإعادة صياغة ما يُعرف بالشيعية السياسية ضمن إطار الإنتظام في مشروع بناء دولة مدنية عادلة وقوية.
كل تلك المتطلبات، مجتمعة، تشّكل مشكلة كبيرة لبري ومنظومة الفساد والإفساد التي يجسدها على جميع الصعد.
فهل تتحمل المجاميع الشيعية في لبنان عهدا آخرا من الإذلال والتسلط على قرارهم ومجتمعاتهم ومستقبل أولادهم ووطنهم تحت مسمى المقاومة واحتكار القرار الشيعي لأربعين سنة قادمة؟
(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )
المصدر : Transparency News