أُطلقت مبادرة "نداء بيروت ٢٥" في فندق فينيسيا ، التي تجمع مجموعة من القوى والشخصيات السياسية والنيابية والاجتماعية، بالإضافة إلى "الكتلة الوطنية"، بهدف رسم مسار جديد يُعيد تصويب الواقع السياسي والاقتصادي في لبنان وذلك بحضور شخصيات سياسية ونيابية واجتماعية منها...

وكان للأمين العام للكتلة الوطنيّة ميشال حلو الكلمة الافتتاحيّة حيث لفت إلى أنه "في ظلّ التحديات المصيرية التي يواجهها لبنان، ومع استمرار الانهيار السياسي والاقتصادي، تداعى اليوم عدد من السياسيين والنواب والأحزاب والصحافيين والخبراء لإطلاق "نداء بيروت 25"، في خطوة تهدف إلى صياغة رؤية واضحة لمستقبل الدولة، بعيداً عن أعراف التعطيل والمحاصصة، ومن أجل استعادة دور المؤسسات وبناء دولة حديثة تكرّس السيادة والعدالة والاستقرار".

بعدها تلت الصحافيّة ديانا مقلد بيان النداء التي أعلن انه " في ظلّ ما يمرّ به لبنان من أزمات غير مسبوقة، وفي مواجهة حالة الانهيار المستمرة، يأتي "نداء بيروت 2025" كمبادرة وطنية لوضع أسس جديدة لمستقبل البلد، وإرساء دولة حديثة تحترم سيادتها، وتضمن حقوق مواطنيها، وتعيد لبنان إلى موقعه الطبيعي كدولة مستقلة، عادلة، ومزدهرة. هذا النداء هو دعوة لكل اللبنانيين للخروج من دوامة الأزمات المتكررة، والانتقال نحو بناء دولة قوية تفرض سلطتها على كامل أراضيها، وتطبّق الإصلاحات الضرورية، وتعيد الثقة بين المواطن والدولة، بعيدًا عن منطق المحاصصة والطائفية".

 

وفي ما يأتي الكلمة الافتتاحية ونص المبادرة كاملاً:

افتتح الأمين العام للكتلة الوطنيّة ميشال حلو المؤتمر قائلاً "مساء الخير جميعاً، تداعينا اليوم، حولَ طاولة مستديرة، حتى نُطلقَ معًا "نداء بيروت 25"، ومن أجلِ تشكيلِ إطارٍ سياسيّ يجمعُنا، سياسيين، ونواب وأحزاب وصحافيين وأساتذة يوحّدُنا هَمّنا الدائم، ألا وهو مصلحة هذا البلد ومصلحة شعبِه".

وأوضح أنه "بدأت هذه الفكرة في أواخر شهر آب من العام الماضي، حيث كانت الحربُ قائمة في الجنوب، وسطَ غيابٍ مُدَوٍّ للدولة عن كل ما كانَ يجري"، متابعاً "اجتمعنا، مجموعةً صغيرة، كانت تكبُر مع الوقت، حتى بلغت ما هي عليه اليوم، فارتأت إطلاقَ هذا النداء، لمقاربةِ المرحلة الجديدة، اعتباراً من أنَّ هذا البلد هو وطنٌ وليس ساحة، ينظر الى أبنائه كمواطنين، وليس كرعايا طوئف. وطنٌ دولتُهُ بحاجة لاصلاحٍ عميق".


ولفت إلى أن "الحالُ أنَّ اللحظةَ التاريخية الماثلة أمامَنا اليوم تستوجبُ أعلى درجاتِ المسؤولية منّا، ولكن أيضًا من كلّ الأفرقاء السياسيين"، مؤكداً أنه "لم يَعُد مقبولًا، في الوقت الذي تنقلبُ فيه المنطقة رأسًا على عقِب، بعد حروبٍ وإبادات، أنْ يدورَ كلُ الحديث في البلد حول احتكارِ طائفةٍ معيّنة لا بل حزبٍ معيّن لوزارة المال، خاصةً بعد أن كان أداؤه فيها كارثيًا".

وأكد حلو أنه "لم يعُد جائزًا أن نسمحَ لهذه الأعراف ولمن يتلطّى خلْفَها بعرقلةِ عجَلةِ النهوض بالبلد، فإذا كانت المناصفة أمرٌ ميثاقيٌّ منصوصٌ عليهِ في الدستور، الّا أننا ندعو القيّمينَ على هذه الجمهورية الى التحرّرِ من كلِّ ما هو غيرَ ذلك، والشروعِ في تشكيلِ حكومةٍ متجانسة، تكونُ على قدْرِ آمالِ الناس، وعلى مستوى التحدياتِ الداخلية، والاستحقاقات الدولية والإقليمية القادمة".

وشدد "نريد حكومةٌ من خارجِ المحاصصات، تقطَعُ مع ممارسات وأعراف الماضي وتفتحُ صفحةً بيضاء، حكومةٌ يترسّخ من خلالِها مفهومُ الدولة، طالما الفُرصةُ سانحةٌ الآن،        حكومةٌ ببيانٍ وزاريٍّ يؤكّد على ذلك، وعلى وظائفَ الدولة السيادية، دون فذلكاتٍ إنشائية وحكومةٌ تتبنّى ببساطة خطابَ القسمِ لرئيسِ الجمهورية".

وتابع "أيُّها الأصدقاء والصديقات، بيننا سنواتٌ طويلة من العمل المشترك، يعودُ بعضُها لعام 2019، او 2005، أو أكثر، كان لنا فيها نجاحاتٌ وإخفاقات. وترافقنا في تشييع رفاقٍ لنا، سقطوا في مواجهة محور الممانعة. كما ترافقنا في الاعتصامات والمظاهرات، وما تلى ذلك من تفجير مرفأ بيروت".

وأضاف "أننا مطالَبون اليوم، باسمِ المصلحة العليا للدولة، إنما أيضًا باسمِ مصداقيّتِنا أمام الشعبِ اللبناني الذي وثِقَ بِنا وبِخَياراتنا، أنْ نرتقي الى مستوى المسؤولية الوطنية، كي نقدّم للبنانيات واللبنانيين مشروعًا سياسيًا واضحًا ومتماسكًا لا يقتصر على رفض الواقعِ ونَقْدِه، بل يتحوّل الى فعلٍ سياسيٍّ ناضجٍ ومبادر ولكلِّ ما سبق، كانت هذه المبادرة وكان هذا النداء، نداء بيروت 25".

تمرّ السنوات، بل العقود، وينقلب الشرق الأوسط رأساً على عقب، فتضربه الحروب والمجازر والإبادات، وتسقط أنظمة فيه، وتضمحلّ دول، وتتطوّر أخرى، فلا يبقى شيء على حاله ولا كما كان، إلا حالة الجمود والانهيار التي نحن فيها، والتي جعلت من لبنان عالةً على دول المنطقة والعالم، وبلداً يستجدي مساندة من هنا، ومساعدات من هناك.

وهنا لا بد من الإشارة إلى حصتنا من المسؤولية عن ذلك. فنحن سبق أن ارتضينا تحويلنا مستنقعاً لكل أزمات المنطقة وتناقضاتها، فأدخلنا أنفسنا في حالة من الحروب اللامتناهية: مع الأعداء ومع الأصدقاء، والأخطر، مع أنفسنا، اذ لم نُقَصّرْ يوماً بحقّ بعضنا البعض، محاولين رمي المسؤولية على خارجٍ ما، في سبيل تبرئة ذاتنا.

لقد آنَ الأوانُ أن نضع حدًّا لكلّ هذه الحروب والتطلّع نحو المستقبل، للانتقال بأنفسنا وببلدنا الى القرن الحادي والعشرين، وهو ما يتطلّب إعادة بناء الثقة فيما بيننا من جهة، وبيننا وبين الدولة من جهة أخرى. إذ يجب الاعتراف بأنّ كل جماعة وطائفة من نسيجنا اللبناني اعتادت على الخوف والتخويف من الآخر، فطورت عناصر قوّتِها الذاتية، واعتنقت سرْدياتها عن الماضي وأعرافه وممارساته، رابطةً مستقبلها وبقاءها بوزارة من هنا، أو تعيين مدير من هناك، حتى انهارت البلاد فوق رؤوسنا أجمعين، طوائف ومواطنين، وذلك في الوقت الذي كانت دول في العالم تستثمر طاقاتها فيما تراه سبيلاً إلى المستقبل.

فنحن في لبنان فوّتنا، وبما فيه الكفاية، فرصاً كانت أولاها بعد اتفاق الطائف عام 1989، وثانيتها مع تحرير الـ 2000 من الاحتلال الإسرائيلي، وثالثتها مع تحرير الـ 2005 من الاحتلال السوري، وآخرها بعد انتفاضة تشرين 2019، بحيث اكتسبنا، وعن جدارة، لقب بلد الفرص الضائعة.

 أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون، أمّا وقد وصلنا الى ما وصلنا إليه، وحفاظاً على ما تبقّى، فإنّنا نخرج بندائنا هذا، من أجل عدم إضاعة الفرصة السانحة أمامنا، لإطلاق مشروع إنقاذ وطني، يضع أسساً جديدة لمستقبل بلدنا، ويؤسس لدولة حديثة، متحررة من ممارسات الماضي، دولةٍ تُطمئن الجميع وتضمن التعددية، كما تحترم الحرية الفردية للمواطنين وتساوي بينهم في الحقوق والواجبات.

فنحن لم نعد نسعى لأن نكون "سويسرا الشرق"، ولم نعد نريد أن نهزم "المشروع الامبريالي"، ذاك أن تلك الأحلام والأوهام كلّفتنا الكثير. إننا فحسب نود أن نعيش في دولة عادية، طبيعية، دولة كالدول، تنحاز إلى مصلحتها ومصالح أبنائها حصراً، وتسهر على أمانهم ورفاهيتهم، مستندة إلى الأسس البديهية التي تقوم عليها الدول، فتحترم دستورها، وتبسط سيادتها على كل أراضيها، وتحصر السلاح بها وحدها، وترسّخ السلم الأهلي.

وانطلاقاً من هذه المبادئ التي نراها بديهية، صار لزاماً علينا تغيير الواقع واستعادة قرارنا بهدف إرساء الاستقرار وإطلاق عجلة الإعمار والإصلاح والمصالحة وفقا للمسار التالي:

- العمل على استعادة وجه لبنان بوصفه بلداً منفتحاً على العالم، منخرطاً في وجهة التقدّم والتحديث، ودائماً منارة للحرية في منطقته.

- تطبيق قرار وقف إطلاق النار بكافة بنوده وضمان استدامته، وذلك عبر تصدّي الدولة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، مع ما يعنيه ذلك من تسليم سلاح حزب الله، وتوفير الدعم السياسي المطلق للجيش اللبناني وتعزيز عديده وعتاده وتأمين انتشاره في كل لبنان، وضبط المعابر الشرعية وغير الشرعية، والمرافق الأساسية، البحرية منها والجوية، إضافة الى تعزيز القوات الدولية، والعودة الى اتفاقية الهدنة للعام 1949.

- وضع خطة متكاملة لإعادة الإعمار وتأمين العودة الكريمة والمستدامة للنازحين.

- تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية الملحّة لمعالجة الانهيار الحاصل ومحاسبة كل المسؤولين عن الانهيار المالي وتبديد أموال الشعب اللبناني، من مصرفيين وسياسيين، من أجل ضمان حقوق المودعين المسلوبة.

- إحقاق الحق فيما خصّ ضحايا الاغتيالات السياسية وضحايا تفجير مرفأ بيروت، ومحاسبة جميع المسؤولين عن الفساد والسرقات والجرائم التي بقيت طويلاً بلا محاسبة.

- تفعيل المؤسسات العامة وعلى رأسها القضاء وضمان استقلاليته.

- تسوية العلاقات اللبنانية-السورية، حرصاً على علاقات بالغة الودية من موقع ندي، من أجل معالجة كل القضايا العالقة، وعلى رأسها قضية المغيّبين اللبنانيين في سجون النظام السابق، وعودة آمنة لللاجئين السوريين في لبنان، وإعادة النظر الشاملة بالاتفاقات بين البلدين بما يحافظ على سيادة ومصالح الدولة اللبنانية.

- الانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة التي تساوي بين جميع المواطنين أمام القانون، وتحترم التعددية والحريات العامة والفردية. ويكون ذلك باستكمال تطبيق اتفاق الطائف والعمل على تطويره لاحقا، مما يقتضي انهاء مفاعيل اتفاق الدوحة الذي كرس تعطيل المؤسسات، وحوّل الحكومة إلى كونفدرالية طوائف، وإلى مجموعة "مكوّنات" تقوم على التوازن السلبي.

- التفكير الجدي بإصلاحات سياسية ودستورية تكفل محاصرة الأسباب التي أدت بنا إلى مآسي الماضي، وتوفر فرصة حقيقية لمراجعة الصيغة المركزية القديمة ومدى ملاءمتها للواقع الجديد والوقائع المستجدّة.

 يتطلب كل ما سبق، الإسراع في تشكيل حكومة متجانسة وكفؤة، تحترم بديهيات النظام الديمقراطي، ولا تكون كناية عن برلمان مصغّر، ولا تحصر التمثيل الطائفي بأية جهة حزبية، بل تعتمد المداورة في كل الوزارات دون استثناء، حكومة تليق بآمال اللبنانيين، وتكون على قدر طموحاتهم، وتشبه المرحلة الجديدة التي نحن على أبوابها، داخليًّا واقليميًّا، وتباشر ورشة الإصلاح على كلّ الصعد.

 أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون، تعالوا نبني معاً هذه الدولة القوية والحديثة القادرة وحدها على إعادة بناء ما تهدّم، وتأمين عودة الجميع إلى قراهم آمنين سالمين، عودةً أخيرة ونهائية، فلتكن دولةً تنتشلنا من مآسي الماضي، للانطلاق نحو المستقبل، نتساوى جميعُنا فيها أمام القانون، ولا يكون فيها صيف وشتاء تحت سقف واحد، كما لا تضيعُ أموالُنا في مصارفها، ولا نحرم من عدالة في قضائها، دولةً نعيش فيها مواطنين أحراراً وشركاء في قرارها، لا جنوداً في ساحةٍ من ساحات المعارك العبثية،

ولتكن دولةً سيدة، عادلة، مزدهرة، وآمنة، تصمد لتحديات المستقبل.

بعد أن تم إطلاق المبادرة وعرضها على الحاضرين، تمّ تخصيص وقتٍ للنقاش حول البنود الواردة في النداء. دار النقاش بين المشاركين حول التفاصيل الدقيقة للخطوات المقترحة، وتمّ تبادل الآراء والملاحظات بشأن كيفية تطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع، مع التركيز على إيجاد حلول عملية قابلة للتنفيذ في أقرب وقت ممكن.

واختُتم المؤتمر بحفل كوكتيل أُتيح خلاله للضيوف فرصة الالتقاء وتبادل الأحاديث.


المصدر : Transparency News