ماذا يعني خروج حقيبة الخارجية عن سيطرة “الثنائي” وحلفائه؟
منذ 6 ساعة
ومنذ عام 2005، وبعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، سيطر محور “الممانعة” على وزارة الخارجية اللبنانية. ففي أول حكومة للرئيس فؤاد السنيورة، تولى فوزي صلوخ، المحسوب على حركة “أمل”، حقيبة الخارجية، وتبعه علي الشامي وعدنان منصور في الحكومات اللاحقة. لاحقاً، انتقلت الحقيبة إلى “التيار الوطني الحر” مع تولي رئيسه جبران باسيل الحقيبة لعدة سنوات، قبل أن يخلفه كل من ناصيف حتي، شربل وهبي وعبد الله بو حبيب، وجميعهم من التوجه السياسي نفسه، الأمر الذي أدى إلى توترات مع دول عربية وغربية، حيث اتهم معظم هؤلاء الوزراء بالتعبير عن سياسات المحور الإيراني أكثر من كونه ممثلاً لإرادة اللبنانيين.
وخلال فترة تولي جبران باسيل وزارة الخارجية (2014-2020)، اتُهم بتبني سياسات منحازة لإيران و”حزب الله”، مما أثر سلباً في علاقات لبنان مع الدول العربية والغربية، لا سيما في عام 2019، حيث لم يدن الهجمات على منشآت “أرامكو” في السعودية، مما أدى إلى توتر العلاقات مع الدول الخليجية، وتكرر الأمر مع الوزير شربل وهبة (2020-2021) الذي أدلى بتصريحات اعتُبرت مسيئة لدول الخليج، مما أدى إلى أزمة دبلوماسية واستقالته لاحقاً.
أسماء سابقة مرت على الوزارة
كثيرة هي الشخصيات التي مرت على هذه الحقيبة التي تعتبر “سيادية” بسبب أهميتها ودورها، منذ نيل لبنان استقلاله عام 1945 وحتى اليوم، ومن ضمن هذه الأسماء سليم تقلا، هنري فرعون، حميد فرنجية، حسين العويني، شارل حلو، صائب سلام، خالد شهاب، ألفريد نقاش، شارل مالك، فؤاد بطرس، رشيد كرامي، سليم الحص، وغيرهم الكثير.
ماذا نعرف عن مهام وزارة الخارجية؟
بحسب التشريعات النافذة في الدولة اللبنانية، تتولى وزارة الخارجية والمغتربين شؤون السياسة الخارجية, والعلاقات الدولية من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ورعاية مصالح اللبنانيين في البلاد الاجنبية.
ويكون من اختصاصها تنظيم تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي مع الدول الاجنبية والوفود الى المنظمات والمؤتمرات الدولية، إضافة إلى الاضطلاع بشؤون السياسة الخارجية والقيام بالمباحثات والمفاوضات بشأنها مع الحكومة الأجنبية وفي المؤسسات والمؤتمرات الدولية وإعداد المعاهدات السياسية ومراقبة تنفيذها.
كذلك تتولى مهمة العناية بعلاقات لبنان الاقتصادية والتجارية والمالية والاجتماعية والثقافية بالبلدان الأجنبية, ودرس المعاهدات والاتفاقات المختصة بها, والاشتراك فيما يعقد لأجلها من مؤتمرات دولية. ويضاف إلى ذلك الاهتمام مصالح اللبنانيين في الخارج وأحوالهم الشخصية والاضطلاع بسائر الشؤون القنصلية، وشؤون أخرى كثيرة تبرز دورها وأهميتها.
وبالخلاصة يعد وزير الخارجية اللبناني المسؤول عن سياسة البلاد الخارجية والعلاقة مع باقي الدول، فيما تمثل تصريحاته في كل المحطات الخارجية موقف الدولة برمتها.
السيرة الذاتية
يعتبر تعيين يوسف رجي نقلة نوعية في السياسة الخارجية اللبنانية، ما يشير إلى انتقال السياسة الخارجية اللبنانية من محور “الممانعة” إلى محور أكثر انفتاحاً وتوازناً، مما قد يسهم في تحسين علاقات لبنان مع المجتمع الدولي والدول العربية.
رجي هو دبلوماسي لبناني بارز، ولد في بيروت عام 1962، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء. حصل على درجة في الإعلام والاتصال السياسي من المعهد الفرنسي للصحافة بجامعة باريس الثانية، وماجستير في العلوم السياسية والإدارية من جامعة القديس يوسف في بيروت. شغل عدة مناصب دبلوماسية مهمة، منها نائب رئيس البعثة الدائمة للبنان لدى الأمم المتحدة في جنيف، والقائم بالأعمال في سفارات لبنان في كوريا الجنوبية وساحل العاج، ومدير التفتيش في وزارة الخارجية. وقبل تعيينه وزيراً، كان سفيراً للبنان في الأردن.
صورة لبنان
وفي ظل التحديات الإقليمية والدولية التي يواجهها لبنان، يشير مصدر مسؤول في “القوات اللبنانية” إلى أن وزارة الخارجية والمغتربين بقيادة رجّي، ستتبنى رؤية استراتيجية تهدف إلى تحسين صورة لبنان وإعادة بناء علاقاته مع الدول العربية والغربية وتصحيح المسار السابق.
وبرأيه الأولوية تبدأ بالعمل على إعادة بناء الثقة مع المجتمع الدولي وإزالة التوترات السابقة وتعزيز التعاون مع الدول العربية، بخاصة دول الخليج، من خلال الحوار الدبلوماسي والزيارات الرسمية، والتأكيد على احترام لبنان للاتفاقيات والمعاهدات الموقعة مع الدول العربية، وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية. مشدداً على أهمية إعادة تموضع لبنان كدولة ذات سيادة، منفتحة على العالم، وتحترم التزاماتها الدولية، بما يضمن تحقيق مصالح الشعب اللبناني وتعزيز دوره في المجتمع الدولي.
سياسات الحكومات
وفي معرض الرد على الاتهامات الموجهة إلى وزراء “التيار الوطني الحر” بالانحياز إلى “حزب الله” وإيران خلال توليهم وزارة الخارجية، يؤكد مسؤولون في التيار أن هذه الاتهامات تفتقر إلى الدقة والموضوعية، مؤكدين أن السياسة الخارجية للبنان ترسم وتنفذ من قبل الحكومة مجتمعة، وليس من قبل وزير الخارجية بمفرده.
يعتبر مصدر مقرب أن “التيار الوطني الحر” كان دائماً ملتزماً بمصلحة لبنان العليا، وأن أي قرارات أو مواقف اتخذت خلال فترة تولي وزرائه وزارة الخارجية كانت تعكس توافقاً حكومياً شاملاً. وأضاف أن تحميل المسؤولية لوزير الخارجية فقط يتجاهل الطبيعة الجماعية لصنع القرار في النظام السياسي اللبناني.
وفي ما يتعلق بالعلاقة مع “حزب الله”، أوضح المصدر أن “تفاهم مار مخايل” الموقع بين الطرفين في عام 2006 كان يهدف إلى تحقيق الاستقرار الوطني وتعزيز الوحدة الداخلية. ومع ذلك، شهدت الفترة الأخيرة تباينات في المواقف بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، مما يدل على استقلالية قرار التيار وحرصه على المصلحة الوطنية.
البيان الوزاري
جاء الإعلان عن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وسط أجواء إقليمية ودولية مشحونة، بخاصة بعد زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت وتصريحاتها الصارمة من قصر بعبدا، حيث أشادت بهزيمة “حزب الله” على يد إسرائيل، وأكدت على ضرورة استبعاده من الحكومة.
وقد جاءت توازنات هذه الحكومة لتكرس واقعاً جديداً غير مسبوق منذ اتفاق الدوحة عام 2008، حيث كانت أول حكومة لا يمتلك فيها محور “الممانعة” الثلث المعطل، وأول حكومة منذ حقبة الوصاية السورية لا يسيطر فيها الثنائي “حزب الله” و”أمل” على تمثيل أي من الطوائف الأخرى، حيث لم يتمكن الثنائي من توزير مسيحيين أو سنة أو دروز محسوبين عليه. وكذلك تعيين الوزراء الشيعة تم وفق معايير أميركية ضمنية، إن لم يكن بموافقة مباشرة، فعلى الأقل وفق شروط الأمن السياسي التي تعتمدها المؤسسات الأميركية، مثل الجامعة الأميركية في بيروت ومستشفاها، التي ترفض أي تعاون مع أفراد مرتبطين بـ “حزب الله”.
ويبقى البيان الوزاري المرتقب هو الاختبار الأول للحكومة الجديدة، حيث سيتحدد على أساسه موقفها من القضايا السيادية. ويتوقع أن يكون أبرز بنوده تفكيك الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها، كمدخل ضروري للإصلاحات السياسية والاقتصادية ومكافحة الفساد، والالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701 التي تؤكد على حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وتمنع أي تبرير لاستمرار تسليح “حزب الله” تحت شعار “المقاومة”، وضبط الحدود اللبنانية جوياً وبحرياً وبرياً.
المصدر : طوني بولس - اندبندنت عربية