حسين عطايا


وأخيراً تشكلت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة القاضي نواف سلام، والتي برغم كل محاولة عمليات التعطيل والمماحكات السياسية وعمليات المطالبة بحصص وزارية، حيث لم يغير أكثرية الأطياف السياسية اللبنانية عاداتهم في البحث عن مصالحهم بعيداً عن مصلحة الشعب والوطن.

فلمجرد تشكيل الحكومة في حالتها الحالية تشكل مفارقة سياسية على رغم من بعض الثغرات، وهذا ما سبب ببعض الانتقادات من قبل فئة من المعارضين والمثقفين الذين يتقنون فن الانتقاد بعيداً عن تقديم أية مساهمات في الحلول وفي الخدمة العامة سوى إتقان الاعتراض على كل شيء، وقد غاب عن بالهم أن الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية والذين أتيا من خارج المنظومة السياسية الحاكمة مضطرين للعمل وفق التوازنات التي أفرزتها الانتخابات الاخيرة في العام ٢٠٢٢، والتي فشلت بكل تأكيد فيها المعارضة من فرض نفسها كقوة مؤثرة وموحدة وخصوصاً ممن يروق لهم تسمية أنفسهم من ثورة ١٧ تشرين والذين لازالوا يغطون بإحلام تفتقد للواقعية من خلال ابتعادهم عن عمل سياسي منظم فاعل وموحد، وقد أثبتت الانتخابات الأخيرة عن انقسامهم وتفرقهم على مجموعات ولوائح لم تستطع تشكيل قوة ضاغطة على منظومة الحكم السياسية والتي تستمر في حكم البلاد منذ العام ١٩٩٣ لتاريخ اليوم ، لا بل حتى ان  النواب الناجحين تحت مسمى تغيريين لم يستطيعوا تشكيل كتلة برلمانية موحدة وفاعلة سوى قلة منهم من لا يزالوا فعلياً يتعاطون بسياسة واقعية قد تكون مؤثرة بعض الشيء.

لهذا، وبرغم كل المراحل والأسابيع الثلاثة التي أعقبت تكليف نواف سلام على تشكيل حكومته استطاع تشكيل الحكومة وهذه سابقة منذ مابعد خروج الاحتلال السوري من لبنان في نيسان ٢٠٠٥، على اثر زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقد استطاع الرئيس المكلف تشكيل حكومته من خلال المعايير التي وضعها امام عينيه واعلنها امام الشعب اللبناني ومنها على سبيل المثال : 
حكومة تتألف من أشخاص كفوئين وغير حزبيين.
من دون ثلث مُعطل للممانعة.
ولم يعطي اي فئة  فرصة خروجها من الحكومة والتذرع بالميثاقية.

هذا بعض مما استطاع عمله الرئيس سلام وهذا مُخالف ومُغاير لما شهدته عمليات تشكيل الحكومات لاسيما بعد اتفاقية الدوحة وما رافقها.

هذا الأمر، انعكس إيجاباً في البلاد وفي المحيطين العربي والدولي حيث لاقت خطوة تشكيل الحكومة بإرتياح عربي ودولي، وهذا اتى بعد تدخل عربي وأميركي تحديداً استطاع ان يُشكل رافعة لولادة الحكومة العتيدة بعد زيارة نائبة الموفد الرئاسي لمنطقة الشرق الاوسط "مورغان اورتيغوز" فكان مساهماً في ولادة الحكومة والإعلان عنها وشكل بمثابة قابلة قانونية للولادة العتيدة.

اليوم الثلاثاء ستكون الجلسة الأولى لحكومة العهد ذات المهام المحددة والاولويات الضرورية لاستعادة الدولة من مخالب الدويلة التي تسببت بكل الخسائر للبلاد والحروب والدمار، والتي ستكون الخطوة الأولى في استرداد الدولة وعمليات النهوض بالبلاد وعلى كافة  المستويات والاهم منها أن يتضمن بيانها الوزاري ما ورد في خطاب القسم لرئيس الجمهورية ورؤية رئيس الحكومة والتي أعلن عنها الرئيس سلام فور صدور قرار تكليفه من على باب القصر الجمهوري وأولى تلك الخطوات ان لا يتضمن بيانها الوزار ما دأبت عليه حكومات ما بعد مؤتمر الدوحة ومنها  الثلاثية الخشبية "شعب وجيش ومقاومة" والتي شكلت مظلة شرعية للسلاح الغير شرعي وأعطت مشروعية قانونية لاعمال وممارسات جماعة الممانعة وعلى رأسها حزب الله .

لذا إن حكومة سلام والعهد أمام فرصة لتكون حكومة لبنان بكل ما للكلمة من معنى وتستطيع حيازة دعم المجتمعين العربي والدولي في استعادة الدولة اللبنانية والنهوض بلبنان والخروج من أزماته مجتمعة لاسيما ما يتطلبه هذا الأمر من إصلاحات وخطوات ضرورية توفر معالجة الأزمة المالية والاقتصادية ومواجهة معضلة إعادة الاعمار الناتجة عن حروب حزب الله والتي كانت الحرب الاخيرة هي من تسبب بالدمار الكبير في الجنوب والضاحية والبقاع وأجزاء كبيرة من لبنان والتي تفوق قدرات لبنان على النهوض بها من دون مساعدات عربية ودولية وأبرزها فرض الانسحاب الإسرائيلي مما تبقى من أراضي لبنانية محتلة.

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News