جوانا صابر - نداء الوطن


يشهد لبنان منذ مطلع عام 2020، تأثيرات متزايدة للتغيرات المناخية، والتي تلقي بظلالها الثقيلة على القطاع الزراعي الذي يعتبر من الروافد الأساسية للاقتصاد الوطني ومصدر رزق للعديد من العائلات اللبنانية.

تتجلّى هذه التأثيرات بشكل واضح في تغيرات ملحوظة في أنماط تساقط الأمطار وارتفاع في درجات الحرارة، مما يؤدي إلى زيادة فترات الجفاف وتراجع حاد في الإنتاج الزراعي، وبالتالي زيادة الأعباء والتكاليف على المزارعين.

في هذا السياق، يشير مؤسس شبكة المهندسين الزراعيين في لبنان، المهندس مصطفى غصن، في حديث لـ "نداء الوطن"  إلى أن ندرة المياه والجفاف يمثلان التحدي الأبرز، حيث أدى انخفاض المتساقطات المطرية إلى انخفاض حاد في كميات المياه في الخزانات الجوفية والبرك السطحية وجفاف في الينابيع والأنهار، مما اضطر المزارعين إلى تقليص مساحاتهم الزراعية أو اللجوء إلى طرق ري مكلفة وغير مستدامة.

يضيف غصن، استناداً إلى الإحصائيات المتوفرة، كمية الأمطار التي هطلت في المدن الرئيسية مثل بيروت وطرابلس بلغت حوالى 240 إلى 250 ملم حتى الآن، في حين سجلت بعض المناطق مثل زحلة حوالى 150 ملم فقط. تأتي هذه الأرقام في ظل توقعات بأن تكون كمية الأمطار أقل من 50% من المعدل المعتاد لهذه الفترة، مما ينذر بجفاف غير مسبوق في السنوات الأخيرة.

في العام الماضي، كانت كميات المياه في الفترة ذاتها تصل إلى حوالى 730 ملم في بيروت وطرابلس، وهو ما يعكس تراجعاً كبيراً ومخيفاً مقارنة بالعام الماضي. بالإضافة إلى ذلك، يؤثر ارتفاع درجات الحرارة سلباً على صحة النباتات، حيث يؤثر ارتفاع الحرارة على عملية التلقيح في بعض المحاصيل الهامة كالخضروات والفواكه، مما يقلل من إنتاجيتها وجودتها.

أما الفيضانات التي شهدتها بعض المناطق مثل الشمال، والصقيع الذي ضرب سهل البقاع، فقد تسببت بتلف بعض المحاصيل وإلحاق خسائر فادحة بالمزارعين. من جهة أخرى، اعتبر غصن أن الحرب الأخيرة التي شهدها لبنان، بالإضافة إلى تأثيرات التغير المناخي زادت "الطين بلة" وخاصة في منطقتي البقاع والجنوب. فقد أدى النزوح القسري للمزارعين وتركهم لأراضيهم إلى تلف المحاصيل، لا سيما الخضروات والأشجار المثمرة، بالإضافة إلى تأثير القصف الذي أدى إلى انخفاض خصوبة التربة.

أما بالنسبة إلى الأراضي الحدودية، فإن عمليات التجريف التي طالتها  وقضت على مساحات واسعة من البساتين والأشجار المعمرة، وخاصة الزيتون والحمضيات، سيكون لها تأثير سلبي كبير في المستقبل، لا سيما من ناحية الإنتاج والأسعار، علماً أن هذه الأراضي تشكل مصدر الدخل الأساسي للعديد من المزارعين في هذه المناطق. يوضح غصن أن مجموعة من العوامل قد تسببت في انخفاض كميات الإنتاج في المحاصيل التقليدية، وخاصة الأصناف القديمة. هذا التراجع لم يقتصر فقط على كمية الإنتاج الزراعي، بل شمل أيضاً تراجعاً في جودة المحاصيل.

ومن المفارقات أن المزارعين اضطروا هذا العام إلى ريّ الزراعات البعلية والأشجار المثمرة في شهر كانون الثاني، وهي سابقة فريدة سببها الرئيسي قلّة المتساقطات. ويختتم مؤسس شبكة المهندسين الزراعيين حديثه بتأكيد ضرورة تضافر جهود الوزارات المعنية لإدارة الموارد المائية بكفاءة وتأمين المياه للمزارعين، وتشجيع استخدام الطاقة المتجددة وتعزيز البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والاستفادة من الذكاء الاصطناعي في عمليات الريّ والعمليات الزراعية، وتفعيل دور مكاتب وزارة الزراعة في المناطق ووضع خطط زراعية مستدامة وتوجيه المزارعين نحو أساليب مستدامة.


المصدر : نداء الوطن