وسيم جانبين


تصاعدت الأزمة بين لبنان وإيران بعد منع طائرة إيرانية من الهبوط في مطار بيروت، في خطوة قابلتها طهران بإجراء مماثل، رافضة استقبال طائرة لبنانية على أراضيها. هذا التوتر لا يُختزل بخلاف إداري في قطاع الطيران، بل يعكس تغيّرات أعمق في موازين النفوذ داخل لبنان، وسط تحوّلات إقليمية ودولية متسارعة.

يُشير منع الطائرة الإيرانية من دخول الأجواء اللبنانية إلى تآكل واضح في النفوذ الإيراني داخل المؤسسات اللبنانية، لا سيما مع تنامي الضغوط الدولية على بيروت للحد من تبعيتها لمحور طهران. القرار، الذي لم يكن ليُتخذ دون ضوء أخضر خارجي، يعكس تحوّلًا في المقاربة اللبنانية تجاه العلاقة مع إيران، في ظل محاولة بيروت تعزيز موقعها ضمن التوازنات الإقليمية.

بالمقابل، جاء الرد الإيراني سريعًا لكنه بدا أقرب إلى محاولة ضغط غير مجدية، إذ لم يُحدث صدمة سياسية كبيرة في لبنان، بل كشف هشاشة قدرة طهران على فرض إملاءاتها كما في السابق.

لم يكن من المستغرب أن يخرج أنصار حزب الله إلى الشوارع للاحتجاج على القرار، عبر قطع الطرق وإشعال الإطارات بالقرب من مطار بيروت. غير أن اللافت كان التدخل الحاسم للجيش اللبناني، الذي منع تعطيل الحركة الجوية، في مؤشر إلى تنامي استقلالية المؤسسة العسكرية عن الضغوط السياسية للحزب.

هذا التطور يضع حزب الله أمام اختبار داخلي صعب، حيث يبدو أن قدرته على فرض إملاءاته لم تعد كما كانت، في ظل تنامي الأصوات المطالبة بتحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية.

لا يمكن قراءة هذه الأزمة بمعزل عن الضغوط المتزايدة التي تواجهها إيران على المستويين الإقليمي والدولي. فقد شهدت الأسابيع الأخيرة تشديدًا في التدقيق على الرحلات الإيرانية إلى بيروت، بالتزامن مع تصاعد الحراك المعارض للنظام الإيراني في الخارج، كما ظهر جليًا في المظاهرات الأخيرة في باريس التي جمعت الآلاف من معارضي طهران.

مع استمرار الضغوط والعقوبات الدولية، تبدو خيارات إيران للرد محدودة، في حين تسعى بيروت إلى اعتماد نهج أكثر توازنًا في علاقاتها الخارجية. الأزمة قد تكون مؤشرًا إلى إعادة رسم التوازنات السياسية في لبنان، في ظل تراجع سطوة طهران وارتفاع الأصوات الداعية لاستقلال القرار اللبناني عن التأثيرات الخارجية.


المصدر : Transparency News