وسيم جانبين


تتواصل الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة منذ عام 2018، حين فرضت واشنطن رسومًا جمركية على مئات المليارات من الواردات الصينية، وردّت بكين بإجراءات مماثلة. هذا الصراع، الذي تجاوز الشؤون الاقتصادية ليصبح أداة من أدوات الصراع الجيوسياسي، ألقى بظلاله على الأسواق العالمية، ومنها منطقة الشرق الأوسط.

الولايات المتحدة تسعى من خلال هذه الإجراءات إلى كبح صعود الصين الاقتصادي والتكنولوجي، متهمةً إياها بسرقة الملكية الفكرية وإغراق الأسواق. من جهتها، تعتبر الصين هذه الرسوم خرقًا لمبادئ التجارة الحرة، وترد بمحاولة تعزيز علاقاتها مع دول خارج الإطار الغربي، من ضمنها دول الشرق الأوسط.

انعكست الحرب التجارية على المنطقة بطرق متعددة:

قطاع الطاقة تأثر مباشرة، إذ أدى تباطؤ الاقتصاد الصيني إلى تراجع الطلب على النفط، ما أثر على موازنات الدول الخليجية.

الاستثمارات أصبحت ساحة تنافس بين العملاقين، حيث تتسابق واشنطن وبكين لتعزيز نفوذهما من خلال مشاريع البنية التحتية والتكنولوجيا.

الاقتصادات الهشة، كلبنان ومصر، عانت من تضخم إضافي نتيجة ارتفاع أسعار الاستيراد وتكاليف الشحن، ضمن تداعيات هذه الحرب.

إسرائيل تجد نفسها أمام معادلة صعبة: الحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع واشنطن، مع عدم خسارة الشراكات الاقتصادية مع الصين، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والموانئ. الضغط الأميركي دفعها إلى تعديل بعض اتفاقاتها مع بكين، خاصة في المشاريع الاستراتيجية.

أما الدول العربية، مثل الإمارات والسعودية، فهي تحاول الحفاظ على توازن براغماتي بين الطرفين: تنفتح اقتصاديًا على الصين ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، وتتمسك في الوقت ذاته بعلاقاتها الأمنية والاقتصادية الوثيقة مع الولايات المتحدة.

واحدة من أبرز النتائج غير المباشرة للحرب التجارية كانت ارتفاع أسعار الذهب عالميًا. كلما تصاعدت التوترات بين بكين وواشنطن، زادت المخاوف في الأسواق، فتوجه المستثمرون إلى الذهب كملاذ آمن.

الصين، كجزء من استراتيجيتها لمواجهة الضغط الأميركي، عززت احتياطاتها من الذهب وخففت اعتمادها على الدولار.

في الشرق الأوسط، استفادت بعض الدول من هذا الارتفاع عبر استثماراتها في الذهب، بينما واجه المواطنون في دول مثل لبنان ومصر صعوبة في اقتناء المعدن الأصفر بسبب ارتفاع أسعاره محليًا وتراجع القدرة الشرائية.

حرب الرسوم بين الصين والولايات المتحدة هي صراع على مستقبل النظام الاقتصادي العالمي. تداعياتها لم تتوقف عند حدود البلدين، بل وصلت إلى الشرق الأوسط، حيث تتشابك المصالح وتتقاطع التحالفات. في ظل عالم مضطرب وأسعار ذهب مرتفعة، على دول المنطقة أن تتحرك بذكاء لتأمين مصالحها دون الانجرار إلى محور ضد آخر.