يوسف يونس


في لحظة بدت وكأنها محاولة لصياغة رواية مضادة للواقع، عقد رئيس "التيار الوطني الحر" مؤتمراً صحافيًا للحديث عن الفساد المستشري في بعض الوزارات، متقمصًا دور المُدّعي العام، ناظرًا في ملفات الآخرين، متجاهلًا أن أول ما يجب فتحه في هذا الملف هو "مغارة وزارة الطاقة" التي شكّلت لأكثر من عقد من الزمن النموذج الصارخ للهدر وسوء الإدارة.

مصادر رقابية تابعت المؤتمر الصحافي علّقت بسؤال مشروع: لماذا لم يتطرق رئيس التيار إلى وزارة الطاقة التي تولّاها وزراؤه تباعًا منذ العام 2008، وحُمّلت في عهدهم المديونية الباهظة لمؤسسة كهرباء لبنان؟ ولماذا لم يقدّم أي تفسير مقنع للتخلّف المتعمد عن تطبيق قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462 الصادر عام 2002، والذي ينص بوضوح على ضرورة تشكيل هيئة ناظمة مستقلة؟

على مدى 23 عاماً، ظلت الهيئة الناظمة حبراً على ورق، وكان من المفترض أن تساهم في رسم السياسات وضبط الأداء وتحقيق الشفافية في هذا القطاع الحيوي. لكن وزراء "التيار" اختاروا – وفق تقارير رقابية محلية ودولية – الإبقاء على السيطرة المباشرة للوزير على القرارات، مع السعي لنسف صلاحيات الهيئة وتحويلها، إن شُكّلت، إلى مجرّد هيئة استشارية خاضعة للوزير.

أكثر من 45 مليار دولار أنفقت على الكهرباء من دون نتيجة، ومع ذلك لا يزال التيار الوطني الحر يرفع راية "الإصلاح"، متجاهلاً أن أكبر رمز للفشل الإداري والمالي في لبنان يتمثل في عجز وزارة الطاقة عن تأمين الكهرباء لشعبها ولو لساعات محدودة في اليوم.

من يحق له أن يتكلم؟ سؤال لا بد من طرحه كلما وقف أحدهم على منبر ليهاجم "فساد الآخرين"، وهو نفسه من بنى امبراطورية سلطوية داخل وزارته، وحوّل الإدارات إلى جزر حزبية، ورفض مبدأ المحاسبة، وراوغ في تطبيق القوانين.

فليبدأ المتكلمون من حيث يجب، من داخل بيوتهم السياسية، قبل أن يُحاضروا في الشفافية والمساءلة.

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News