الإسلام السياسي.. وزر التدمير الذاتي!
25-04-2025 03:25 PM GMT+03:00
يشهد الشرق الأوسط صراعًا بين قوتين ناهضتين: تيار الإسلام السياسي، الذي تقوم منهجيته السياسية على أساس السيطرة على الدولة (شعبًا وسلطة وأرضًا) باستخدام الدين، عبر تعميق الالتزام الإسلامي.. وبالمقابل التيار المناهض له، وأسميه "التيار التقدمي"، لأنه يقوم على مبدأ البناء والتطور الحضاري، وفصل الدين عن المنهجية السياسية في إدارة الدولة والمجتمع. والجدير ذكره أن التيار التقدمي كعقل سياسي جمعي، لا يسعى إلى الصدام مع تيار الإسلام السياسي، لكنه يكتفي بمكافحة نفوذه أو توغله في مؤسسات الدولة والمجتمع.
هشاشة العظام.. بين الطموح والانتقام
ولكي نفهم ماهية هذا التيار، يخطئ من يظن أن الإسلام السياسي ضعيف، فهو يتمتع بقوة السيطرة على عقول شريحة كبيرة من سكان المنطقة، باستخدام المشاعر الإسلامية. بالإضافة إلى قوة سياسية واضحة، تعتبر سلطة حزب العدالة والتنمية في تركيا أحد أبرز أقطابها التقليدية، كما تبرز سلطة الجمهورية الإسلامية في إيران، إلى جانب بعض القوى الإقليمية التي تشكل المضخة الاقتصادية لهذا التيار.
لكن تبقى هناك ثغرة تصيب تيار الإسلام السياسي بهشاشة العظام - إذا صح التعبير، كناية عن تهشم الهيكل الداخلي - وهذه الثغرة تكمن في نزعة السيطرة لدى كل قطب من أقطاب الإسلام السياسي. فأردوغان طرد خامنئي من سوريا ليستحوذ على النفوذ فيها، وهنا يبرز صراع الأقطاب الداخلية، أو دعونا نسميها الحرب الأهلية السياسية. لذلك يمكن القول، إن استبدال نفوذ طهران في سوريا بنفوذ أنقرة، لا يعني توسع سيطرة الإسلام السياسي، بل مجرد استبدال قطب فيه بآخر، مع تعميق مستوى هشاشة العظام في هذا النظام الثيوقراطي (السلطوية الدينية).
تسعى كل قوة من قوى الإسلام السياسي إلى توسيع نفوذها عبر دعم القوى السياسية أو العسكرية، أو الميليشيات المسلحة، في مختلف دول المنطقة، وبخاصة تلك التي تشهد حالات من الصراع والاقتتال الداخلي مثل اليمن والسودان وليبيا وسوريا والأراضي الفلسطينية ولبنان والعراق، بينما تحاول اختراق الدول التي تحصن نفسها ضد التيار الإسلاموي. وعلى سبيل المثال، محاولات إيران اختراق الأردن عبر تكتل الجماعة الإسلامية والإخوان المسلمين. والجدير ذكره، أن هذه المحاولات تبوء بالفشل دائمًا بسبب حصانة القوة السياسية في الأردن، وتلاحم الشعب الأردني بمعظم مكوناته مع منهجيتها. مع الأخذ بعين الاعتبار خطورة استمرار استخدام القوى الخارجية الداعمة لجماعة الإخوان المسلمين، هذه الجماعة في تأليب الشارع الأردني على نظام الحكم، وزعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي، عبر محاولة استغلال المشاعر الدينية والقومية لدى بعض مكونات الشارع في المملكة، وبخاصة المكون الفلسطيني.
ومع فشل محاولات القوى الخارجية في اختراق صفوف الدول التقدمية المناهضة للإسلام السياسي، تركز القوى الداعمة لهذا التيار على استثمار الصراعات الداخلية في الدول التي تشهد اقتتالًا داخليًا، على غرار دعم تركيا التي تمثل الإسلام السياسي (السني) للجماعات الإسلامية المسلحة التي تولدت من المعارضة المسلحة ضد النظام السوري السابق، الذي كان مدعومًا من إيران، التي تمثل الإسلام السياسي (الشيعي). والصراع بين هذين التكتلين، داخل تيار الإسلام السياسي، هو ما أسميناه (هشاشة العظام)، وهو ما تعول عليه قوة ثالثة منافسة على النفوذ والسيطرة مثل إسرائيل، في تدمير وسحق تيار الإسلام السياسي لنفسه بنفسه.
تفجر الصراع.. ومصرع الأتباع
يتجلى الصراع الداخلي للإسلام السياسي، في العديد من تغيرات الخريطة الجيوسياسية في المنطقة مؤخرًا، كما برز من خلال تصريحات أكبر المؤسسين لمشروع الإسلام السياسي، مثل المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، حيث نشر في 25 أغسطس 2024 تغريدة عبر حسابه الرسمي على منصة X، قال فيها إن "المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية هي معركة مستمرة". ثم أبرز خامنئي الهدف من هذه المعركة، مرتكزًا على اقتباس نسبه للإمام الحسين، وهو "إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى سلطانًا جائرًا". ثم فسر خامنئي هذا الاقتباس بأن هدف المعركة بين هاتين الجبهتين هو مقاومة الظلم والجور، قائلًا إن "الجبهة الحسينية تقاوم اليوم الجبهة اليزيديّة، أي جبهة الظلم والجور". بحسب تعبيره.
بالنظر إلى السياق التاريخي والسياسي، نجد أن الجبهة اليزيدية (يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية) تمثلها اليوم قوى الإسلام السياسي السني، التي تعتبر نفسها وريثة الخلافة الأموية في المنطقة. وبالمواجهة تبرز الجبهة الحسينية (الحسين بن علي بن أبي طالب) وتمثلها اليوم قوى الإسلام السياسي الشيعي، التي تعتبر نفسها الوريث الشرعي الذي تم إقصاؤه عن الخلافة الإسلامية تاريخيًا. لكن الجدير ذكره في هذه السردية أن الجبهة الحسينية انتزعت الخلافة من الجبهة اليزيدية في السياق التاريخي، وأقامت الخلافة العباسية على أنقاضها، بينما فرت فلول الدولة الأموية إلى إسبانيا، بقيادة عبدالرحمن بن معاوية بن هشام، الذي حمل لقب "الداخل" بعد دخوله إلى إسبانيا وإقامة الدولة الأندلسية، كما لقبه الخليفة العباسي (الحسيني) آنذاك بصقر قريش.
إذن تاريخيًا محصلة الصراع بين الجبهتين اللتين يتحدث عنهما خامنئي، هي التعادل. بالتالي استثمار هذه المشاعر السياسية الإسلامية من قبل زعماء أقطاب الإسلام السياسي الحاليين، يخرج من سياق الحق التاريخي الموروث، ويصب في مستنقع الطموح السلطوي. وبتقديري الضربة القاضية للإسلام السياسي لن تأتي من قوى خارجية مناهضة له، وخاصة تلك الفاعلة عسكريًا والطامحة للتوسع والنفوذ مثل إسرائيل. بل ستأتي هذه الضربة عبر التدمير الذاتي، حيث تطحن قوى الإسلام السياسي بعضها البعض. وربما تغريدة خامنئي التي أوردناها لم تكن موجهة للجبهة اليزيدية أو الجبهة الحسينية، بحسب تعبيراته. بل كانت موجهة لإسرائيل وقوى الغرب التي أقامت حكم الجمهورية الإسلامية، خاصة وأنها جاءت في فترة شهدت تصعيدًا عسكريًا خطيرًا بين إسرائيل وإيران. وبالمحصلة أوصلت الرسالة لإسرائيل والغرب، بأنكم إذا دمرتم إيران، فأنتم تدمرون (العدو المفيد) الذي يشكل عثرة في طريق الجبهة اليزيدية، التي إذا تنامى نفوذها سوف تبتلع المنطقة بما فيها إسرائيل.
تشدد قوم عند قوم فوائدُ
تراجع حدة التصعيد بين إسرائيل وإيران في تلك الفترة بشكل تدريجي، ربما يعبر عن فهم الدولة العميقة في إسرائيل لهذه الرسالة، وربما يلعب اليوم دورًا جوهريًا في منع إسرائيل والولايات المتحدة من تدمير نظام الجمهورية الإسلامية كليًا كما يتوعدون، على غرار جميع الأنظمة التي هاجمت إسرائيل عسكريًا مثل نظام صدام حسين في العراق. وبالمقابل الاكتفاء بقصقصة الأذرع العسكرية المتمثلة بالميليشيات المسلحة المنتشرة في بعض دول الشرق الأوسط، وإيقاف البرنامج النووي الإيراني، وضمان عدم امتلاك إيران للسلاح النووي، الذي بطبيعة الحال إذا لم يستخدم ضد إسرائيل، فقد يستخدم لإخضاع الجبهة اليزيدية مجددًا، وعودة توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، كشكل من أشكال الإسلام السياسي الذي لا يمكن إخضاعه أو كبح جماحه.
بالمحصلة إسرائيل تتعامل مع قطبي تيار الإسلام السياسي في المنطقة بذات المنهجية، الإضعاف وعدم السماح بتوسيع النفوذ، ولذلك نراها اليوم تكافح النفوذ التركي (حزب العدالة والتنمية) في سوريا، تمامًا كما عملت على تقويض النفوذ الإيراني (الجمهورية الإسلامية أو ما توصف بولاية الفقيه) فيها. ومع تصاعد بعض الآراء التي تتحدث عن احتمالية نشوب حرب أو صدام عسكري من جهة، بين تركيا وإسرائيل، على خلفية الصراع على النفوذ في سوريا. ومن جهة أخرى، بين إيران وإسرائيل، على خلفية تحريض إيران للميليشيات المسلحة ضد إسرائيل. بتقديري المستوى الاستشاري لدى إسرائيل والولايات المتحدة، يقرأ الخريطة الجيوسياسية في المنطقة ضمن السياق السياسي التاريخي لها، وبدلًا من أن يتكلف التحالف الغربي عناء ونفقة الصراع العسكري ضد هاتين القوتين داخل تيار الإسلام السياسي، فقد يلعب على وتر الاحتراق الداخلي وزر التدمير الذاتي، جراء الأيديولوجيا المصابة بالانفصام المتناقض في الشخصية السياسية.
(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )
المصدر : Transparency News