ببساطته وتواضعه حتى في وداعه، رحل البابا فرنسيس عن هذا العالم، مخلفاً وراءه إرثاً إنسانياً وروحانياً عابراً للحدود. مراسم جنازته عكست عظمة الفاتيكان ومكانته الإنسانية العالمية، فيما بقي صدى مواقفه الجريئة ضد الحروب والظلم يدوّي في وجه قوى البطش. ومع غيابه، تتواصل رسالته للسلام والحوار، وتبقى أعين العالم تترقب هوية خليفته المرتقب.


كانت مراسم وداع البابا فرنسيس، بجنازتها الحاشدة والبسيطة في آن، تطبيقاً لوصيته الأخيرة، ومؤشراً إضافياً على مكانة الفاتيكان كمرجعية إنسانية عابرة للحدود والزمن، عصية على محاولات الهيمنة الدولية.

فرنسيس، بابا الفقراء والمهمشين، الذي اختار التواضع نهجاً، لم يتردد خلال حياته في إطلاق مواقف صريحة مناهضة للحرب والعنف والظلم. إيمانه العميق بأن الإنسان قيمة مطلقة، وأن الحياة هبة إلهية مقدسة، دفعه إلى التنديد بجرائم إسرائيل في لبنان وغزة، ما أثار استياء واسعاً لدى تل أبيب، التي عبّرت عن شماتتها برحيله وخفضت تمثيلها في الجنازة.

رغم اشتداد الاستراتيجيات الدولية المتناحرة، بقي البابا فرنسيس صوت الضمير الإنساني، مدافعاً عن المظلومين، في وقت تخلّت فيه قوى دولية وعربية عن أدوارها، أو صمتت إزاء المآسي.

رحل فرنسيس، لكن ظل الكرسي الرسولي سيبقى وارِفاً، حاملاً رسائل الأخوة والحوار. وبرزت مواقفه المؤيدة للتقارب الديني عبر توقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية» في الإمارات، ولقائه بشيخ الأزهر، وكذلك زيارته المرجع الشيعي علي السيستاني في العراق، حيث عبّرت اللقاءات عن رغبة صادقة بتعزيز المشترك الإيماني.

في مجال الحوار المسكوني، أكمل فرنسيس جهود أسلافه لتقريب الكنيسة الكاثوليكية من الكنائس الأرثوذكسية والإنجيلية والأنغليكانية. لبنان، الذي كان حاضراً دائماً في وجدانه، لم يغب يوماً عن اهتمام الفاتيكان، في مساعٍ مستمرة للدفاع عنه، ووقف الحروب عليه.

مع اقتراب انعقاد المجمع الانتخابي لاختيار خليفة فرنسيس بالاقتراع السري، يواجه الكرادلة ثلاثة خيارات:

  1. انتخاب بابا يواصل نهج فرنسيس في الانفتاح والحوار.

  2. انتخاب بابا محافظ يتفادى مواجهة المد القومي والقلق من تغيّر الهوية الأوروبية بفعل الهجرات والإسلاموفوبيا.

  3. انتخاب بابا متوازن يبتعد عن الاستقطاب بين الاتجاهين داخل الكنيسة.

مهما كانت هوية البابا الجديد، فإن التزام الفاتيكان بدعم لبنان كبلد موحّد ومتعدد ومثالا للعيش المشترك، سيبقى ثابتاً، مثلما كرّسه البابا يوحنا بولس الثاني عندما وصف لبنان بأنه "وطن الرسالة".


المصدر : وكالات