حقوقٌ فوُثوق فعُقوق ففُسوق فخُفوق... نزوقٌ فخُروقٌ فشُقوقٌ فرُتوقٌ فنُفوق
08-05-2025 12:46 PM GMT+03:00
من لم يُرشّح نفسه… فاته الركب، والركب طويل!
أطلّ علينا موسم الانتخابات البلدية والاختيارية، أو كما يجب أن نسمّيه في ضيعتنا تحديدًا: "موسم الهجرة إلى الكرسي". هذا الموسم لا يشبه سواه، حيث تتحوّل الضيعة فيه إلى "بازار"، والأرصفة إلى لوحات إعلانات حية، والمضافات إلى ساحات نقاش محتدم… أما الحوار، فغالبًا ما ينتهي بشتائم مبطّنة وابتسامات مصطنعة، مصحوبة بجملة: "نحنا ولاد ضيعة وحدة بالنهاية!"
"الجار قبل الدار؟"
هذا المثل انتهت صلاحيته مع بدء صلاحيّة المرشّحين، وصار الكرسي قبل الجار، والهيبة قبل الدار!
لقد فاق عدد المرشحين في الضيعة عدد الناخبين، بل فاق عدد السكان المسجّلين في الأحوال الشخصية. صار كل واحد يقول: "ليش مش أنا؟" وآخر يقول: "إذا فلان ترشّح، بترشّح أنا بعيالي وخالي!"
في هذه الانتخابات العجيبة، بات عدد المرشحين أكثر من عدد الناخبين، وأكثر من عدد البيوت، بل وأكثر من عدد الأشجار في الكروم. كل من كان يسبّ العمل البلدي في الأمس، أصبح اليوم مرشحًا "للتغيير". فنحن في موسم الحصاد الانتخابي، حيث تنقلب القرية رأسًا على عقب، وتتحوّل الدواوين إلى غرف عمليات، والمقاهي إلى صالونات سياسية. حتى الجدّة أم سمير – رحمها الله – كادت تترشح لولا أن رأينا برهان وفاتها منذ سنوات. وأبو سميح، كان يقول قبل أسبوع: "الله يلعن البلدية ومن فيها"، واليوم صار يوزّع مناشير عليها صورته بابتسامة نصفها تجميل فوتوشوب، ونصفها ما طلع معه منيح بالتصوير. أمّا أبو يوسف فقال: "لو كنت أصغر بشوي كنت نزلت، بس الركبة ما عاد تساعدني على العمل الميداني!"
حتى الأطفال أخذوا يتساءلون: "ماما، ليش بابا ما ترشّح؟ الكلّ عم يترشّح!" والعصفور على شجرة التين غرد: إذا كانت هالعقول بدها تحكم… يلّا رشحوني أنا كمان!"
الطريف أن لا أحد يريد أن ينتخب، الجميع مشغول بحملته الخاصة. تسأل أحد المرشّحين: "هل اجتمعت مع الناس لتعرف همومهم...؟" يرد: "لا والله، نسيت! كنت عم جرّب البدلة الجديدة تبعي للحفل الانتخابي."
ستُفتح صناديق الاقتراع، ولن نجد من يصوّت. والسبب بسيط: الجميع مرشّحون، فمن سيبقى ليقترع؟ بعضهم يقول: "أنا نازل بس عشان الصوت التفضيلي". وآخر يقول: "ما بهمني فوز، بهمني وصّل صوتي!"
لكن الصراحة، الكل ضامن الفوز، ولو على حساب صحن المجدّرة الجماعي! والمضحك المبكي في هذا الموسم أنّ اللي ما عنده طاولة صفّ، صار بده يركّب طاولة مجلس بلدي. واللي ما بيعرف يركّب قنينة غاز، بده يركّب خطة إنمائية!
لقد أضحت زحمة المرشّحين في ضيعتنا أشبه بزحمة الواقفين في طابور الحمّام العمومي، لدرجة صرنا نترجّى الناس تبقى بالبيت حتى نكمّل النصاب المنزلي!
بما أنّ لكلّ مقام مقالًا، فالمقال الأنسب في هذا المقام يصحّ أن يكون:
ترشّح جارنا وابن عمّه،
وعمته وخاله وحتى أمّه!
صرنا ندور مين ما ترشّح،
حتى ننتخبه… ونرتاح من همّه!
وأيضًا
يا بلديّة الضيعة يا رشوة وفسوق،
الكبير حبّ الوجاهة وأصغر مخلوق،
والناخب بده الصرفة ناوي العقوق،
حتى ما يغلط ويختار أكبر خازوق!
في ضيعتنا، لم تعد الانتخابات مناسبة ديمقراطية، بل تحوّلت إلى حلبة سباق، الكل يركض فيها بلا وجهة، كأن الكرسي حلمٌ قومي، أو حقّ تاريخي لا يُفوّت. والناس ينظرون بدهشة: "هيدا ترشّح كمان؟ يا لطيف، لو في انتخابات على القمر كنّا لقيناه نازل لعضويّة الفضاء!"
وفي ضيعتنا – وبكل فخر – لم يعد مهمًّا البحث عن الأفضل لخدمتها وخدمة أبنائها… بل عن شخص نعرفه ما ترشّح بعد، عسى ننتخبه، فقط لنكسر هذا الطوق الجماعي من الطموحات المفاجئة!
للأسف! في ضيعتنا، نحن لا نحتاج إلى حملات انتخابية، بل إلى حملات توعية تقول: "إذا ما عندك مشروع، بلا ما تترشّح!" ولا نحتاج إلى صناديق اقتراع، بل إلى خريطة توضّح من بقي خارج اللعبة، لعلّ أحدًا يتكرّم ويؤدّي دور الناخب.