شهدت منطقة النبطية يومًا عصيبًا بعد تنفيذ 25 غارة جوية على مرتفعات الدبشة، وعلي الطاهر والطهرة بين كفررمان وكفرتبنيت. وبينما يبقى وقف إطلاق النار مجرد ورقة رابحة نظريًا، تستمر الخروقات الإسرائيلية، مما يثير تساؤلات حول بداية مرحلة جديدة من الاستهدافات وحالة الأمن في القرى اللبنانية.


في ظل استمرار التوتر على الحدود الشمالية لنهر الليطاني، ضربت سلسلة من الغارات الإسرائيلية منطقة النبطية بشكل مؤلم، حيث تم تنفيذ 25 غارة يوم أمس على مرتفعات الدبشة، وعلي الطاهر والطهرة الواقعتين بين كفررمان وكفرتبنيت. أعادت هذه الضربات الحزام الناري إلى أذهان الأهالي ذكريات أيام الحرب، حيث شهدوا الأحداث المأساوية التي خلفت دماء وقلبت الحياة رأسًا على عقب، رغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ منذ تشرين الثاني 2024.

عاش المواطن حسين، الذي يعمل في جمع الخردة حول محمية تلة علي الطاهر، تجربة مرعبة خلال تلك الغارات. فقد هرب من أول صاروخ انطلق، ولكن الصاروخ الثاني سقط أمامه محدثًا حفرة عملاقة. أسفر ذلك عن إصابته بجروح بالغة في قدميه، إلى جانب إصابة 11 آخرين بينهم سيدتان، وسقوط ضحيتين إضافيتين. هذه المشاهد العنيفة لم تكتفِ بإحداث إصابات جسدية فحسب، بل أدت إلى إدخال الكثيرين في حالة من الهلع والخوف، حيث تعرَّضت الطرقات للتخليص من المارة وشُلل الحركة تمامًا.

من جهتها، أدلى البلديتان في كفرتبنيت وكفررمان بتصريحات تعكس قلقهما البالغ من التداعيات. فقد أشار رئيس بلدية كفرتبنيت، فؤاد ياسين، إلى أن المواقع المستهدفة تقع ضمن منطقة حرجية تضم محمية علي الطاهر التي يزيد عمرها عن 200 عام، معتبرًا أن الغارات تُعد انتهاكًا صارخًا للسيادة اللبنانية وتؤرق حياة المواطنين. وفي السياق نفسه، أكد رئيس بلدية كفررمان، هيثم أبو زيد، أن فرق البلدية بادرَت إلى فتح الطرق المتضررة، مشيرًا إلى أن هذه الاستهدافات تُستخدم لزعزعة الاستقرار في القرى وترويع الأهالي، مما استدعى دعوات الدولة إلى اتخاذ إجراءات حازمة.

تظهر الظروف المؤسفة من خلال مشاهد المواطنين الذين لم يعودوا يشغلون بالهم الملفات الداخلية مثل الانتخابات البلدية المجدولة في 24 من الشهر الحالي، بل تتركز مخاوفهم حول الأمان واستمرار الغارات. فقد قال أحد المواطنين أثناء مراقبته للحزام الناري: "لم تنته الحرب، بل نعيش في حرب أخطر"، فيما وصف آخر يوم الاستهداف بأنه "يوم الرعب العالمي"، مضيفًا أن الوضع يشبه الكابوس الذي آن أوان انتهائه.

ورغم تبني اتفاق وقف إطلاق النار منذ أكثر من خمسة أشهر، فإن السلطات اللبنانية وثقت أكثر من 3000 خرق خلال هذه الفترة، مما يُبرز هشاشة الوضع الأمني وعدم قدرة الاتفاق على كبح التصعيد. ويتجلى ذلك في المخاوف المتزايدة التي تحيط بعمليات الاستحقاق البلدي القادمة، إذ أصبح من الواضح أن استمرار هذه الخروقات قد يُعرقل جهود ترميم البلديات وإنعاش المجتمعات المحلية التي عانت طويلاً من الإهمال والانتهاكات.

في خضم هذه الأحداث، يبقى السؤال قائمًا: هل نحن على مشارف مرحلة جديدة من الاستهدافات الممنهجة في منطقة شمال نهر الليطاني؟ وهل ستأتي القرارات الدبلوماسية والسياسية لتأمين الحياة اليومية للسكان قبل أن تتحول الهدنة إلى مجرد وعود وافرة؟


المصدر : نداء الوطن