وسيم جانبين


لم تكن زيارة مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الشرق الأوسط، إلى بيروت مجرّد محطة بروتوكولية. في الخامس من نيسان 2025، حطّت أورتاغوس في العاصمة اللبنانية بلقاءات مع كبار المسؤولين، لكن الرسائل التي حملتها كانت أكبر من الكلمات والصور وقلادة نجمة داوود التي شغلت الإعلام اللبناني.

بين قصر بعبدا، السراي الحكومي، ووزارة الخارجية، تنقّلت أورتاغوس برسالة أميركية واحدة: لبنان لن يحصل على دعم من واشنطن ما دام سلاح "حزب الله" خارج سلطة الدولة. في لقائها مع وزير الخارجية يوسف رجي، لم تخفِ الدبلوماسية الأميركية موقف بلادها الداعي إلى تقليص نفوذ الجماعات المسلحة، في إشارة مباشرة إلى الحزب. شددت على ضرورة حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني، وهو موقف حاسم، قابلَه رجي بموقف أكثر تحفظًا، متحدّثًا عن "السيادة الوطنية" من دون التزامات واضحة.

اللقاء مع رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام لم يخرج عن السياق نفسه. القرار 1701، نزع السلاح، الاستقرار، إعادة الإعمار بشروط... كلها عبارات تكررت على لسان أورتاغوس، التي لم تتردّد في وصف حزب الله بأنه "عائق أمام استقرار لبنان". سلام، المعروف بعلاقاته الدولية وميله إلى الاستقلالية، أبدى استعدادًا للتعاون، مؤكدًا على نية حكومته العمل على استعادة ثقة اللبنانيين والدول المانحة.

على وسائل التواصل، ظهرت ردود فعل اللبنانيين حيال الزيارة كمرآة حقيقية للانقسام القائم. خصوم "حزب الله" هلّلوا للزيارة، معتبرينها "نافذة أمل" لكسر هيمنة السلاح، بينما رأى فيها مناصرو الحزب تدخّلًا سافرًا في الشأن الداخلي. الجديد في المشهد، أن نبرة المعارضة تبدو أقوى، مدفوعة بتراجع شعبية الحزب بعد سنوات من الأزمات والصراعات والهزائم، وبمؤشرات واقعية على تحوّل المزاج الإقليمي.

من النقاط اللافتة، التقاء مشاعر الغضب اللبناني من التدخل الإيراني مع تعليقات مشابهة من داخل إيران نفسها. ناشطون إيرانيون كتبوا بوضوح: "كفى دعمًا لحزب الله من أموال الشعب الإيراني"، في مشهد يعكس تعبًا مشتركًا من كلفة المغامرات الخارجية لطهران. في بيروت كما في طهران، الناس يريدون شيئًا واحدًا: الانعتاق من قبضة وكلاء نظام الملالي الخارج عن السيطرة 

زيارة أورتاغوس إلى لبنان حملت أكثر من إشارة، لكنها أوضحت شيئًا واحدًا: لا مكان بعد اليوم للمناورات الرمادية. واشنطن تضع الشروط، والدعم مشروط بتقليص نفوذ "حزب الله" وإعلاء سلطة الدولة. الكرة الآن في ملعب الحكومة اللبنانية، فإمّا تلتقط اللحظة التاريخية وتستثمرها في مسار إصلاحي فعلي، أو تعيد تدوير الأزمة، فتُضيَّع فرصة جديدة من عمر هذا البلد المنهك. أما الشعب، فقد قال كلمته: لا يريد سلاحًا خارج الدولة، ولا وصاية من خارج الحدود.

 (هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News