ديان سامر اللبان - طالبة ماجيستير وباحثة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية


طرابلس، المدينة التي كتبت تاريخها بالصمود والكرامة، لم تكن يوماً عادية. في كل زواياها نبض من التاريخ، وفي أسواقها وصنايعيها ورشات الشغل وقصص من الكفاح والإنتاج والطموح.

مع ذلك، عانت طرابلس طويلاً من التهميش وعدم العدالة في توزيع فرص التنمية. في دولة انكفأ فيها النمو والاستثمار في العاصمة، بقيت مدن الطرف كأنها أقاليم منسية، تُذكر فقط عند الأزمات أو للمزايدات الانتخابية.

ولكن في وسط هذا الظلم المنهجي، تأتي فرصة مفصلية لإعادة الاعتبار لطرابلس: المنطقة الاقتصادية الخاصة، لا بوصفها مشروعاً تقنياً محصوراً بالمرافئ والامتيازات، بل كأداة استراتيجية لإحداث تحول اقتصادي اجتماعي عميق، يلامس حياة الناس ويعيد رسم خريطة التنمية.

وفي صباح اليوم الذي يلي انتخابات المجالس البلدية، تظهر الفرصة أكثر إلحاحاً لانتهاج سياسة تنموية لا مركزية، تتجه للقطاعات الأكثر حرماناً وتجعل من المجالس المحلية شريكاً فعلياً في النهوض الاقتصادي والاجتماعي. هذا هو الاختبار الحقيقي للامركزية وللمساءلة.

طرابلس ليست فقط ضحية الإقصاء، بل أيضاً شاهدة على فشل السياسات المركزية، وعلى مركزية الإنفاق العام، ومحدودية الاستثمارات المنتجة، وضعف التوزيع العادل للموارد. والمطلوب اليوم هو بناء نموذج تنموي جديد يرتكز على:

تفعيل البنية التحتية الإنتاجية في المرفأ والمناطق الصناعية.

إطلاق برامج تدريب وتشغيل تستهدف الشباب.

تحفيز الاستثمار الخاص المحلي والاغترابي.

تمكين المجالس المحلية من إدارة التنمية وتخطيط المشاريع.

تعزيز دور المرأة في الاقتصاد المحلي، عبر دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تديرها، وتوفير بيئة تمكينية تضمن مشاركتها الفاعلة في الحياة العامة والمجالس المحلية.

هذه المبادرة ليست فقط مشروعاً تنموياً، بل هي محاولة لإعادة كتابة العقد الاجتماعي مع المدينة. فهي تفتح نافذة على العالم، وتجعل من المرفأ والسكان والتراث الثقافي والشباب العاطلين عن العمل وقوداً لقفزة تاريخية.

إن تنمية طرابلس اجتماعياً واقتصادياً ليست منّةً ولا مشروع رفاهية، بل هي استثمار في الاستقرار والسلم والنمو في كل لبنان. في مكان كطرابلس، حيث تلتقي المظاهر الاجتماعية للفقر والتهميش مع الإمكانات الكامنة للنهوض، تكون كل مبادرة تنموية هي تجديد للثقة والانتماء.

طرابلس لا تطلب الشفقة، بل العدالة. ولبنان لن يقوم على ساقيه إلا إذا قام بكل مناطقه. وبداية النهضة تكون من هنا، من طرابلس التي لم تَخِر أمام العواصف، ولن تترك فرصة للنهوض إلا وتتمسك بها.

إن طرابلس ليست عبئاً على الدولة، بل فرصة لها. وما بعد الانتخابات البلدية يجب أن يكون لحظة فاصلة نحو اعتماد سياسة تنموية لا مركزية، تُعيد للمدن المحرومة دورها وكرامتها. لا نهوض حقيقي للبنان من دون طرابلس، ولا عدالة من دون إنصاف الأطراف.


المصدر : Transparency News