مأزق إيران الصاروخي: استنزاف وتضخيم دعائي
20-06-2025 09:15 AM GMT+03:00
تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن إيران ما زال بحوزتها ما يقارب 1800 صاروخ، بعد أن أطلقت نحو 440 صاروخًا باتجاه إسرائيل. وتُجمع مصادر إسرائيلية مطّلعة على أن معلوماتها دقيقة إلى حدٍ يطال أدق التفاصيل المتعلقة بالنظام الإيراني، في إشارة ساخرة إلى مستوى اختراقها الأمني.
لكن المأزق الحقيقي الذي تواجهه إيران لا يتمثل فقط في الأرقام، بل في الواقع الصناعي والعسكري واللوجستي المعقد الذي يمنعها من تعويض ما تطلقه من صواريخ. إذ تحتاج إيران، بحسب التقديرات، إلى شهرٍ كامل لإنتاج عشرة صواريخ فقط، وهو عدد يُعد هزيلاً في سياق حرب كبيرة كالتي قد تخوضها ضد إسرائيل.
وتزيد الضربات الإسرائيلية شبه اليومية على مصانع الصواريخ والطائرات المسيّرة من صعوبة الوضع، إذ تستهدف هذه الضربات قدرة إيران الإنتاجية، وتؤدي إلى إبطاء عملية التصنيع العسكري إلى حدٍ يهدد مخزونها الاستراتيجي.
أمام هذا الواقع، تجد إيران نفسها أمام خيارين، كلاهما مكلف:
1. الاقتصاد في الإطلاق: وهو ما فعلته إيران خلال الأيام الثلاثة الماضية، حيث أطلقت ما معدله 25 صاروخًا يوميًا. هذا النمط كفيل بجعل مخزونها الصاروخي يصمد لنحو 60 يومًا، أي ما يقارب الشهرين. إلا أن هذا النهج يُفقد الصواريخ قيمتها الاستراتيجية، خاصة وأن منظومة "القبة الحديدية" الإسرائيلية قادرة على اعتراض نسبة تتراوح بين 95% و100% منها.
2. إغراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية: عبر إطلاق وابل كثيف من الصواريخ يفوق قدرة القبة الحديدية على الاستيعاب، ما يستدعي استخدام أكثر من 125 صاروخًا يوميًا. لكن هذا السيناريو يعني نفاد المخزون الإيراني خلال أقل من أسبوعين، ما يجعل الخيار غير مستدام عسكريًا.
والمشكلة الأكبر تكمن في أن إيران، باستثناء الصواريخ الباليستية، لا تملك سلاحًا فعّالًا يمكن أن يُستخدم ضد إسرائيل، سوى ربما بعض الوسائل المحدودة وغير الحاسمة.
وعلى الرغم من الضجيج الإعلامي الكبير الذي رافق إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة، لم يُسفر هذا التصعيد عن نتائج تُذكر من الناحية الميدانية. فعدد القتلى الإسرائيليين بلغ 24 فقط، وهو رقم ضئيل بالنظر إلى حجم الحملة الإعلامية والعملياتية التي روّجت لها إيران.
المفارقة هنا أن إسرائيل استطاعت توظيف هذه الهجمات في صالحها، مستفيدة من الصورة "الدرامية" للدمار الظاهري، الذي طال سيارات ومنازل وزجاجًا متناثرًا على الطرقات، لتُقدّم نفسها كضحية أمام الرأي العام العالمي. وهي صورة كانت بأمسّ الحاجة إليها بعد الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها جراء حرب غزة الأخيرة.
وفي المقابل، يُلاحظ الغياب شبه التام لأي أرقام رسمية حول الضحايا الإيرانيين جرّاء القصف الإسرائيلي المكثف. ويُرجع هذا التعتيم إلى سببين: أولاً، أن إسرائيل لا ترغب في أن تظهر بصورة الدولة المتوحشة بعد ما شهدته من إدانات دولية بسبب غزة؛ وثانيًا، أن إيران لا ترغب في إظهار ضعفها وفشلها أمام شعبها.
ويشبه هذا التعتيم الإعلامي ذلك الذي مارسه كل من حزب الله وإسرائيل بعد تفجير مرفأ بيروت في 4 آب، لأسباب متشابهة تتعلّق بإخفاء المسؤوليات والتكلفة البشرية الحقيقية.
إن متابعة الأرقام والوقائع الميدانية على الأرض تبقى الطريقة الأجدى لفهم ما يحدث، بدل الانسياق خلف زخم الأخبار والمحللين الذين غالبًا ما يساهمون في تغطية الحقيقة بالغبار الإعلامي.
ومن المهم هنا التنبيه إلى أن معظم وسائل الإعلام العربية ليست مصادر موثوقة في مثل هذه النزاعات، سواء كانت ناطقة باسم الأنظمة، أو محكومة بمرجعيات أيديولوجية أو قومية أو دينية. فحتى من يدّعون الليبرالية من الإعلاميين العرب، غالبًا ما يسقطون في فخ الانحياز أو النفاق عند الحديث عن إسرائيل أو الغرب، بدافع الخوف من تهمة "التطبيع" أو "العمالة".
فالحقيقة أن داخل كل محلل عربي، مهما بدا موضوعيًا، يختبئ ممانع صغير.
(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )
المصدر : Transparency News
