نزوح جماعي من الضاحية الجنوبية... قلق الأهالي لا تهدئه التطمينات
03-07-2025 08:45 AM GMT+03:00
عشرات العائلات باتت تغادر يوميًا، ومئات غادرت بالفعل منازلها في الضاحية خلال الأسابيع الماضية، تاركة خلفها أثاثًا، وذكريات، وتاريخًا لا تحجبه التصريحات السياسية ولا يطويه القلق.
أرقام تفضح الواقع
بحسب المعطيات من المكاتب والشركات العقارية التي تنشط في قضاء جبل لبنان، فقد ارتفع الطلب على تأجير الشقق السكنية في المناطق المحيطة بالضاحية، ولا سيما في المتن وبعبدا وعاليه، بنسبة غير مسبوقة. العقود تُوقَّع غالبًا لسنة كاملة، تُدفع سلفًا، والمبالغ تُصنّف بالمرتفعة، خاصة بعد أن تخطت أسعار الإيجارات في بعض المناطق نسبة 300% خلال العام الأخير.
أحد أصحاب المكاتب العقارية في بعبدا يؤكد: "لم نرَ هذا النوع من الطلب منذ سنوات، الناس تدفع مسبقًا وتتسابق على الشقق، خصوصًا العائلات القادمة من الضاحية". ويضيف: "الأمر ليس موسمياً أو عابراً، بل يبدو وكأنه نزوح حقيقي".
قلق رغم الهدوء
ورغم أن الأوضاع الأمنية هدأت نسبيًا في الضاحية الجنوبية، فإن القلق لم يغادر نفوس الأهالي. العديد منهم لا يأخذون بعين الاعتبار التطمينات التي يطلقها السياسيون أو مسؤولو "حزب الله" الذي يصرّ على التمسك بسلاحه وسط استمرار التصعيد بينه وبين إسرائيل.
"لا نريد أن نكون ضحية عناد سياسي"، تقول سيدة خمسينية نزحت مؤخرًا مع أولادها إلى الشويفات، مضيفة: "نريد فقط أن نحمي أولادنا، وننام دون أن نخاف من غارة مفاجئة".
منازل خالية... وأثاث على الطرقات
المشهد في بعض أحياء الضاحية بات لافتًا: منازل بأبواب مغلقة، ونقل يومي للأثاث والمقتنيات عبر الشاحنات الصغيرة، ما يعكس حجم المخاوف المتصاعدة. مصادر محلية تؤكد أن عدداً من العائلات لم تنتظر حتى تجد منزلاً جديدًا، بل فضّلت الانتقال موقتاً إلى منازل أقاربها في المناطق الجبلية.
الأزمة ليست محلية فقط، بل مرتبطة بشكل مباشر بالتوتر الإقليمي بعد استهداف إسرائيل لأهداف في الداخل الإيراني، وردود الفعل الغامضة من طهران وحلفائها، وفي طليعتهم "حزب الله". هذه المعادلة المترنحة بين تهديد وردّ تهديد، تدفع المواطنين إلى تبنّي خيار الحذر، والفرار الصامت من مناطق تُعتبر في صلب الاستهداف المحتمل.
وفيما تستمر البيانات السياسية في بث رسائل الطمأنة، يبقى الواقع على الأرض أكثر بلاغة. الضاحية الجنوبية، التي شكّلت لسنوات بيئة صامدة رغم الحروب، تشهد اليوم موجة نزوح مختلفة: نزوح لا تسبقه الانفجارات، بل يسبقه الخوف، ويغذّيه القلق، وتؤججه السياسات المغلقة على لغة السلاح.
وفي ظل غياب أي أفق لحل جذري، يبدو أن شبح الحرب – وإن كان صامتًا – بدأ يُخلي الشوارع من أهلها، واحدًا تلو الآخر.
