شهد قلب باريس حدثًا تاريخيًا صباح السبت (5 يوليو 2025)، حيث عاد عامة الناس للسباحة في نهر السين، الذي طالما حلم به سكان العاصمة.


وتأتي هذه الخطوة بعد مرور أكثر من قرن على حظر السباحة في النهر عام 1923، وتحمل دلالات كبيرة في سياق تغير المناخ وتحقيق وعد عمره أكثر من 30 عامًا.

مراقبة مشددة لضمان سلامة السباحين
بعد عام من السباحة التجريبية من قبل الرياضيين الأولمبيين وتحت مراقبة دقيقة، تمكن الجمهور العام صباح السبت من الاستمتاع مجددًا بمتعة السباحة في نهر السين في قلب باريس، بحسب محطة "بي.إف.إم" التلفزيونية الفرنسية.

بدأت أولى مجموعات السباحين بالنزول إلى الماء منذ الساعة الثامنة صباحًا، انطلاقًا من الأرصفة المجهزة بالمقاعد والخزائن على "ذراع ماري" مقابل جزيرة سان-لوي. تم ذلك تحت أنظار دقيقة من عدد كبير من رجال الإنقاذ بقمصانهم الصفراء الزاهية وسراويلهم الحمراء المميزة، وأصوات صفاراتهم، إلى جانب مراقبة قوارب الشرطة النهرية. وكل سباح كان مزودًا بعوامة صفراء مربوطة بحبل حول خصره، وتمت السباحة في منطقة محاطة بحبل أمني لحماية المشاركين.

جودة المياه وتصريحات المسؤولين
قال بيير رابادان، نائب رئيس بلدية باريس لشؤون الرياضة، عبر إذاعة "إر.إم.سي" الفرنسية، إن "جودة المياه مطابقة للمعايير الصحية"، ودرجة حرارتها بلغت "25 درجة مئوية". وأعلن أنه سيشارك شخصيًا في السباحة في موقع بيرسي شرق باريس، بينما لم يكن مؤكدًا إن كانت العمدة آن هيدالغو ستنضم إليه.

زالت رئيسة بلدية باريس آن هيدالجو الموقع برفقة قائد شرطة باريس، لوران نونييز، ووزيرة الرياضة ماري بارساك، قبيل الساعة 8:30 صباحًا. وصرحت هيدالغو: "أشعر برغبة شديدة في القفز إلى الماء. يبدو رائعًا"، ثم التقطت صور سيلفي مع سباحين يرتدون قبعات السباحة. صرخت إحدى السباحات من الماء: "شكرًا لكِ مدام هيدالغو، هذا رائع جدًا!". وردت العمدة: "كان حلم طفولتي أن أرى الناس يسبحون في السين".

افتتاح مواقع سباحة إضافية وتطلعات مستقبلية
بعد هذا الافتتاح الأول، افتتحت منطقتان إضافيتان للسباحة لاحقًا في نفس اليوم: إحداهما على ذراع غرونيل قرب برج إيفل، والثانية في بيرسي أمام مكتبة فرانسوا ميتران. وقد جهزت جميع المواقع بأرصفة وسلالم ومقاعد استجمام ودشات وغرف تبديل ملابس. السباحة مجانية وستظل متاحة حتى 31 أغسطس، في حال سمحت الأحوال الجوية.

يستوعب موقع "ذراع ماري" حتى 150 شخصًا في آنٍ واحد، بينما يمكن لموقع بيرسي أن يستقبل 700 شخص، منهم 300 داخل منطقة السباحة. ويتميز موقع غرونيل، الوحيد المجهز بحوض مخصص للعائلات بعمق قليل، بقدرة استيعابية تصل إلى 200 شخص في وقت واحد، وستتاح فيه أيضًا أنشطة التجديف مجانًا.

وكانت العمدة قد غطست في موقع "ذراع ماري" العام الماضي قبل انطلاق الألعاب الأولمبية، تحقيقًا لوعد أطلقه الرئيس السابق جاك شيراك قبل أكثر من 30 عامًا. وكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على منصة "إكس": "أحد أسلافي، عندما كان عمدة باريس، حلم بنهر السين كمكان يمكن للجميع السباحة فيه. وغدًا سيتحقق هذا الحلم"، واصفًا الحدث بأنه "مصدر فخر للبلاد".

مكافحة التلوث كاستجابة لتغير المناخ
رغم كونه أحد موروثات الألعاب الأولمبية، إلا أن إتاحة السباحة في نهر السين تأتي كاستجابة لحاجة ملحة للتكيف مع تغير المناخ في العاصمة، حيث ستتكرر موجات الحر وتشتد مستقبلاً. وقد خصص أكثر من 1.4 مليار يورو لتحسين جودة مياه النهر في منبعه، من خلال تنفيذ مشاريع لجمع مياه الصرف ومنع تسربها إلى النهر.

لكن نظرًا لأن نظام الصرف الصحي في باريس يدمج بين مياه الأمطار والصرف الصحي، فإن الطريقة الوحيدة للتعامل مع الأمطار الغزيرة هي تصريف الفائض إلى نهر السين مباشرة. وقد جعلت الأمطار الغزيرة التي تزامنت مع الألعاب الأولمبية مياه النهر غير صالحة للسباحة في بعض الأحيان. وكما هو الحال في الشواطئ، سيتم استخدام أعلام خضراء وصفراء وحمراء هذا الصيف للدلالة على جودة المياه وتدفقها، حيث يتم فحص المياه بشكل فوري عبر مجسات وفحوصات مخبرية. وإذا أظهرت الإشارات اللون الأحمر، فسيتم منع السباحة.

تحديات السلامة والرقابة
نظريًا، يتعين على كل سباح الخضوع لاختبار لقدراته على السباحة من قبل منقذ مختص قبل السماح له بالسباحة بحرية، وذلك لأن النهر بيئة مائية طبيعية تنطوي على مخاطر. وذكرت السلطات بأن "هناك خطر الغرق بسبب الطين والنباتات الملتفة، والتيارات القوية، والصدمة الحرارية، وحركة الملاحة"، كما أوضحت نائبة المحافظ إليز لافييل، مشيرة إلى أن "13 شخصًا لقوا حتفهم في السين في عام 2024، و3 حتى الآن هذا العام".

لتجنب السباحة غير القانونية التي قد يغري بها الطقس الحار، صدر مرسوم من المحافظة في نهاية يونيو ينص على فرض غرامات على السباحة خارج المناطق المصرح بها. كما تم تعزيز المراقبة النهرية في باريس، وهي الميناء النهري الأول في أوروبا من حيث نقل الركاب، من خلال فحص قادة القوارب بشكل أكثر دقة.

سيفتح موقع "ذراع ماري" فقط في فترات الصباح بسبب كونه محورًا لحركة الملاحة. ولصيف 2026، يجري العمل على إنشاء مواقع سباحة بديلة ودائمة. ويأمل المسؤولون، بفضل مواصلة أعمال إزالة التلوث من نهر السين، في إنشاء مناطق سباحة جديدة خارج حدود العاصمة في العام المقبل، مثل جزيرة "موسيو" في هوت-دو-سين وجزيرة "سان-ديني" في سين-سان-دوني. وقد تم افتتاح أربعة مواقع للسباحة بالفعل في نهر المارن، منها الموقع الشهير في "جوانفيل-لو-بون" (فال-دو-مارن)، الذي كان السباحة فيه محظورة منذ سبعينيات القرن الماضي. ويعد نهر المارن أكبر رافد يصب في نهر السين.

 


المصدر : وكالات