بين فكر الموت وثقافة الحياة: إسرائيل وإيران في لحظة الحقيقة
17-06-2025 01:04 PM GMT+03:00
في المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وإيران، لا يبدو أن المعركة تدور فقط على الأرض أو في السماء. هناك بعدٌ أعمق يدور في جوهر العقيدة الثقافية والنفسية لكل من الطرفين، حيث يتقاطع صمود الشعب الإيراني بفكر "حب الموت" مع قلق المجتمع الإسرائيلي المتشبث بثقافة الحياة.
في طهران، يحاول النظام تعبئة المجتمع بروح الصبر والانتصار و"الثبات على خط الولي الفقيه"، لكن نصف هذا الشعب، وفق استطلاعات وقراءات حقلية متكررة، يعارض حكم خامنئي ويضيق ذرعاً بخطابات الصمود الكاذب. لقد أثبتت التجربة أن الناس لا تأكل الشعارات. والواضح اليوم أن الشارع الإيراني بات يحلل، يناقش، ويقارن بين الوعود الإيرانية الكبرى التي أُطلقت في بيروت وبغداد وصنعاء، وبين مصائر تلك الأذرع التي لم تصمد طويلاً، وسقطت إمّا في حضن واقع اقتصادي مرّ، أو في عزلة سياسية قاتلة بعد خسارتها ثقة البيئة الحاضنة.
من جهة أخرى، ورغم امتلاك إسرائيل قوة نارية ضخمة، فإن المجتمع الإسرائيلي لا يتحمل الخسائر البشرية بسهولة. الفكرة التي طالما رافقت الوجدان الإسرائيلي أن الأمن أولاً، بدأت تترنح أمام وصول الصواريخ إلى تل أبيب وحيفا، ما يجعل الحرب مع إيران اختباراً نفسياً ومجتمعياً قبل أن تكون عسكرياً.
لكن القلق الأكبر لا يكمن في الصدمة الأولى، بل في احتمال إطالة أمد العمليات العسكرية. فالإسرائيلي لن يتحمّل أكياس الجثامين، والإيراني لن يحتمل كابوس الاقتصاد المترنح. وسط هذه المعادلة المعقدة، أطلقت طهران نداءات استغاثة خافتة باتجاه السعودية، وهي مفارقة لاذعة، بالنظر إلى أن المملكة طالما كانت هدفاً لخطاب الحرس الثوري من الضاحية إلى اليمن، تحت شعارات "الموت لآل سعود". فهل ستستجيب الرياض اليوم لمن لم يسلم من لسانه بالأمس؟
في العلن، تُظهر إيران "موافقة مبدئية" على العودة إلى طاولة التفاوض، وإن تحت النار. لكن السؤال هو: هل لا تزال هناك طاولة؟ أم أن ملف التفاوض قد طوي، ودخلنا في مرحلة جديدة: إما إبقاء النظام أو الإطاحة به بالكامل؟
الإشارات واضحة. مجلس الأمن لم يُصدر حتى الآن أي إدانة للعمليات الإسرائيلية داخل إيران، وهو صمت يُقرأ دولياً كضوء أخضر لإسرائيل. صمت دولي، لا يُخفي عزلة إيران المتفاقمة، حتى من حلفاء صامتين لا يريدون التورط في معركة لا طائل منها.
التناقض بين الشعارات الإيرانية الثابتة حول "الانتصار القريب" وبين الفوضى الاستراتيجية داخل المؤسسة الإيرانية يعمّق الشكوك حول قدرة النظام على اتخاذ قرار حاسم. لا ملامح لخطة واقعية. لا خطوط حمراء حقيقية. وحده الغموض هو ما يملأ فراغ القرارات.
في هذا المشهد المرتبك، يطفو سؤال كبير: هل سيُسمح للرياض بأن تتدخل، بوساطتها وحكمتها الإقليمية، وهل ستُفرض تسوية عادلة تُنقذ المنطقة بأسرها.
أما إذا تمادت طهران في برنامجها النووي كرافعة أخيرة لإثبات الهيبة، فقد تكون النتيجة سقوطاً مدوياً لإمبراطورية الملالي، على مرأى ومسمع من شعب تعب من الموت ومن شعاراته.
(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )
المصدر : Transparency News
